رؤية في العلاقة الاجتماعية
ورد عن الإمام الصادق : إن المؤمن أخو المؤمن، عينه ودليله، لا يخونه ولا يظلمه ولا يغشه، ولا يعده عدة فيخلفه» «الكافي ج 2 ص 167».
فهم الإنسان لأبعاد وحقيقة ذاته وصلتها بالآخر وطبيعة وكيفية التواصل الاجتماعي وإقامة علاقة به يشكّل أساسا لفهم الدور الوظيفي في الحياة، فهناك من يخرج عن فطرته السليمة وينسلخ عن القيم الإنسانية النبيلة ليقيم علاقاته بناء على المصالح والفرص السانحة دون رجوع إلى حاكمية الضمير، وهناك من يرى في العلاقات ساحة معركة وصراع وتشابك بين الإرادات يحقق أهدافه وغاياته من خلال الانتصارات الموهومة في الحفاظ على مصالحه، وإن أدّى ذلك إلى تدمير حياة الآخرين أو إفشاء أسرارهم أو تشويه سمعتهم الشخصية، بينما النظرة الدينية المتوافقة مع العقل الواعي تدعو إلى تشكيل العلاقات وفق محور القيم الأخلاقية وتنمية الضمير الواعي، فالبناء الأخلاقي ليس مجرد حكم وتوجيهات على الورق وتُركن عن التأثير في مجريات الأمور وتسيير الخطوات العملية، بل هي رؤية فكرية تقوم على أساس يهدف إلى بناء علاقات اجتماعية واعدة وراسخة بعيدا عن التوترات والخصومات، فالمجتمع الفاعل والمنتج ينبني على أفراد تتكامل أدوارهم كلبنات في بناء متماسك وقوي، يتعاون أفراده ويساند كل واحد الآخر في بيئة تقوم على الاحترام والثقة المتبادلة، وبالتالي فإن الخادشات في تلك العلاقة الاجتماعية والممزقة لثوبها كالغيبة والغش والكراهيات مدعو الفرد لتجنبها «الرذائل الأخلاقية»، والرؤية الدينية للعلاقات الاجتماعية الناجحة والمؤثرة والمثمرة تقوم على أساس أخلاقي يتربّى الفرد على مفاهيمه منذ الصغر ويهذّب نفسه على أساسها.
العلاقة بالآخرين يعبّر الحديث عنه بالأخ للإشارة إلى المواءمة والتقارب الوجداني بين أفراد المجتمع، فيكون كل واحد منه امتدادا لوجود الآخر ومكملا لأبعاد شخصيته ومرآة «عينه» يرى فيها نفسه وعيوبه، ويدله من خلال النصيحة والنقد الإيجابي على مصادر الخسائر والمخاطر والعراقيل المصادفة له، مما يشكّل فكرا واعيا بنحو جمعي ونزاهة سلوكية عن الرذائل والمعايب، وهذا الاهتمام والاحترام والمساندة المتبادلة توفّر غطاء الأمان والراحة النفسية.
ثم نعرّج على نماذج وأمثلة لحالات الانحراف الأخلاقي ومسيسه بالعلاقات الاجتماعية وأهمها الخيانة، والتحذير من هذا السلوك المشين تنبيه على المناشيء والعوامل والآثار الوخيمة، ومن ثم يتحمّل الفرد مسئولية أي علاقة وتعامل يصدر منه بصيانته وخلوه من الخيانة، وهذه الأمانة تتشعّب في جميع مناحي حياتنا فتشمل جانب الكلمة وحفظ الأسرار، وأمانة في حفظ جميع جوارحنا من الانحطاط إلى النظرة المحرّمة واستماع الكلمة المسيئة والخطوة المريبة.
ولا يقلّ عنه خطورة ودمارا ظلم الآخرين والتجاوز على حقوقهم المادية والمعنوية، وبالتأكيد أنه يتفرّع من قيمة العدالة وحفظ كرامة الآخرين مبدأ الاعتراف بصدور الخطأ والاعتذار منه وإعلاء قيمة التسامح والتجاوز عن الهفوات غير المتعمدة.
ومن العوامل الهدّامة للعلاقات الاجتماعية حالة الغش وإخفاء الحقيقة «تمويها»، إذ مع غياب الوازع الأخلاقي والضمير الحي يتجه الإنسان إلى ممارسة الخداع على المستوى الاجتماعي أو المالي بغية تحقيق منافع خاصة، ويتصل بذلك عامل هدام آخر وهو خيانة الميثاق وإخلاف الوعود والعهود، حيث أن الثقة المتبادلة بين الأفراد مبنية على قوة الكلمة والضمير، ومتى ما غاب الوفاء ظهرت حالات الخيبة والظنون السيئة.