سيكل الفلافل
اشترى الأبُ لابنه سيكلاً، حلف وأقسم أنّه سيجعله يخسر شيئًا من وزنه:
«دَعْه يتحرّك قليلًا، يتعرّق، ويُزيح الكرش الذي تقدّم على الناس!»
وأما الابن، فابتسامةٌ ارتسمت على وجهه لا يختبئ خلفها شيء من البراءة… نظَّف السيكل، تفقّد الجرس، ضبط المقعد، ارتدى قبعته المائلة، وهبط إلى الحارة كأنّه يُدشِّن مشروعًا استثماريًّا رسميًّا.
في اليوم الأوّل نادى:
«ريالان لنصف ساعة، أيها الأصدقاء! السيكل جاهز، والبريكات عدله تمسك صح!»
ذاع الخبر، وأصبح السيكل يعمل من الفجر حتى المغيب:
هذا يركب، وذاك يسقط، وثالث يعيد السيكل قائلًا:
- «أنسّم الكَفَر قليلًا من الهواء!»
فيردّ الفتى ضاحكًا:
- «ولا يهمّك… المهم أنّك رجعت حي!»
وفي نهاية كلّ جولة؟
لا تمارين، ولا حمية غذائيّة…
بل سندويشات فلافل بالطماطم وصاص«أبو ديك»،
وكيكة «قصقوص» ملفوفةٌ بورقة،
وغرشة بيبسي باردة تُصدر صفيرًا خافتًا لحظة الفتح!
اتششش
كان الأب يراقب من بعيد، يحكّ رأسه متعجّبًا:
«عجيب! السيكل لا يهدأ ولا يقف!… فلماذا لم يَنْحَف الولد؟!»
ما كان يعلم أنّ السيكل تحوّل إلى «سيارة أجرة» الحارة،
وأنّ ابنه صار «تاجر سياكل».
ذاك الوقت، يا عزيزي، كان السيكل كنزًا:
- السيكل الأحمر أشبه بسيارة فارهة.
- السيكل «القليِّت» موتٌ لذيذ.
- والسيكل بدون بريكات دورةُ حياةٍ كاملة: تطيح وتتعلم.
نخرج من الديرة صوب «عين اللبّانية»،
ندور حول البيوت، نخترق الزرانيق الضيّقة،
نتسابق في الشوارع الترابيّة،
نضحك، نصرخ، ونعود وأيدينا مغطاة بالغبار،
لكن قلوبنا ممتلئة بالفرح.
وأجمل ما في الأمر أنّ السيكل علّمنا اقتصاد الذكاء:
كيف نصنع من الريال وجبةً كاملة:
فلافل، صاص، كيكة، وبيبسي!
وليس أيّ بيبسي، بل البارد الذي يفور فتُبعِد وجهك عن القارورة وتقول:
«آه… أبرّد قلبي!»
كبر الفتى…
لا بجسده، بل بعقله؛
لا بعضلاته، بل بحيلته.
وعَلِم أنّ ليست كلَّ درّاجة خُلقت للركوب، فبعض السياكل تنقلك إلى مستقبلٍ آخر.
واليوم، إن رأيته واقفًا على خشبة المسرح أو يدير عملًا في قلب السوق وسألته:
- «من أين بدأت؟»
ابتسم وقال:
«كلُّ شيء بدأ… من سيكل وفلافل.»
ولو نطق السيكل لحدّثنا عن ضحكات، عن عثرات، وعن سباقات بلا فائز، وعن صداقةٍ صمدت… رغم أنّ الكَفَر بنشر خمس مرّات!
سيكل_الفلافل
قصةٌ من قديم حارات القديح، نتذكّرها فنضحك، وندرك في أعماقنا أنّها علّمتنا دروسًا لم نجدها في المدرسة ولا بين دفّات الكتب.