البهجة التي غمرتني
الأب.. ذلك الرجل الذي نعرفه بالملاذ والسند ومصدر الطمأنينة والعطاء والبذل والتضحية..
كثيرة هي الحكم والمقولات والأمثال التي حاولت أن تحتوي شيئاً بسيطاً من عظم قدر وقيمة هذا الإنسان في حياة أسرته.. ويقال أن «الحياة دون أب تشبه الوقوف طيلة العمر في منتصف غرفة لا يسمح لك فيها بالاستناد على شي».
في منزلنا، لم يكن أبي ممن يُكثر الضحك أو يملأ البيت بالدعابات.. كان حضوره كالجذر، لا يُرى، لكن عليه قام ظلّ الشجرة أيضًا لم أره يتحدث كثيرًا، لكنه يعرف متى تُقال الكلمة التي تعيد للتوازن وزنه.
لم يكن يسابقنا في الفرح، لكنه كان الأرض التي نقف عليها لنفرح.
كان صبورًا.. وصبره امتد فينا، وأنا شخصيًا ورثت هذه السمة هادئة وثابتة كحضورِه..
وحين مرض، اجتمعنا حوله كما تلتف الكواكب حول نجمٍ خبا ضوؤه فجأة.
أدركنا حينها، أن نصف العلاج يسكن في النفس، وأن الضحك حين يُهدى بمحبة، يُقاوم ما لا تُقاومه العقاقير.
وأذكر جيدًا تلك اللعبة التي ابتعتها له، وقدّمتها كما يُقدّم طفل أمنيته الصغيرة لعلها تقلب موازين المرض كان يشاركني اللعب أحياناً ويعتذر بالصمت حين يُثقله التعب.
بحثنا في زوايا البيت والمشفى عن طرفة، عن ضحكة.. عن أي بهجة قد تكون آخر ما نملكه أمام ما لا نملك حياله شيئًا.
كانت محاولة نبيلة بأن نصنع فرحًا صغيرًا في قلب من صنع لنا كل أفراحنا.
لأننا، وإن كبرنا، نبقى أطفالًا في حضرة آبائنا؛
نُطارد البهجة في وجوههم كما كانوا يصنعونها لنا حين نبكي بلا سبب.
رحل أبي مبكرًا، كما كتب الأنيق صالح زمانان:
«قبل أن يفخر العكاز بقبضته،
غادر في أبهة النشيد،
وأثناء ممازحة الأحباب،
وقبل أن يهرم مثل كل الآباء..»
رحمك الله يا أبي.
كنت البهجة التي لم تُعلن عن نفسها، لكنها غمرت أعمارنا كلها.