حفل زفاف
في مشهد من الفرح والسرور كان زفاف ابني البكر، كنتُ سعيدةً جدًّا بمن شاركني الفرح، غير أنني تعلّمتُ دروسًا عديدة في هذا الزواج الميمون.
لقد تعلّمت الذوق الراقي من الناس الذين لم يحضروا حفل الزفاف خاصةً، فقد كانت اعتذاراتهم الذوقية طريقًا موشًى بالزّهور، حضورهم لباب منزلي اعتذارًا منهم أسعد قلبي، فقد امتلأ منزلي بأفخر أنواع الزهور والبخور، مما جعلني أضعُ مقاييس جديدة لتقييم الناس، مقاييس تتجاوز الزمان والمكان، وفي ضوء ذلك لا يمكن النظر إلى ظواهر الأمور كما لو كانت جواهر الأمور.
فالظاهر أنّها لم تحضر حفل الزفاف لظروف خاصة، وهذا الأمر جعلني أُقدّر ظرف الآخر، بل زاد في محبّتي لبعضهن.
عرفتُ أنّ أمور الحياة تتقلّب وتتغيّر، ونُبحر في سنوات عديدة من أعمارنا، ويَبقى الحبّ ما دام القلب النظيف.
أنا ليلى الزاهر، صاحبة المبدأ الذي ينصّ على:
«الدنيا بخير جدًّا ما دامت الفطرة السليمة تتكاثر»
وعلى الرغم من تعرّضي لضغوط الحياة المتعددة التي تراوحت بين الخير والشر في حياتي الشخصية والعملية، إلا أنني ما زلت مؤمنةً بوجود طاقة كبيرة جدًّا من الخير الذي يحتضن أرواحنا كحاجة روحية، ليس لأننا بحاجة إلى تلك الطاقة فحسب، بل لأننا نشعر بلذّة تزيد في أيامنا جمالًا وعطاءً، وربما تزيد في أعمارنا.
أصبحنا نتراسل حبًّا، ونتصافح ودًّا، ونستقبل أصدقاءنا اشتياقًا، تحوّلنا إلى شعراء ننظم الغزل، ونتسابق لوضع كلمات الرثاء.
حتى هؤلاء متقشّفو الحبّ يعزفون عشرات من ألحان السعادة في مناسباتهم الجميلة، مما يجعلنا نُجدّد مشاعر الفرح معهم، نرقص لفرحهم، نُظهر ملامح المودّة بجانبهم ليعيدوا حساباتهم من جديد.
هكذا يبدو لي الفرح يتنكّر بألف رداء، وجميع أرديته عبقرية الألوان، لعلّها تختلف عن الأبيض والأزرق، وعن بقية الألوان المعتادة.
عرفتُ السرّ في أن الكثير يكره اللون الأسود؛ لأنه عكس فستان زفاف زوجة ابني البكر.
ربما كنتُ سعيدةً جدًّا، ولكنني أكثر سعادةً بجارتي التي جاءت لحفل الزواج قبل بدايته لتهنئتي بزواج ابني،
وهي تقول:
«أنا لا أحضر حفلات زواج منذ وفاة والدي، لكنّني لم أستطع تخطّي حفل زفاف ابنك.»
أما عندما رأيتُ صديقتي التي لم أرها منذ عشرات السنين، وضعتها فوق القمر، ونصبتُ لها مخدع حبّ، وبسطتُ عاطفتي على مدى الأفق بين النجوم السواطع، وأنا أبكي وأقول: شكرًا لمن شاركني فرحتي.