آخر تحديث: 3 / 6 / 2025م - 3:41 م

وما تشاءون إلّا..

سعيد الميداني

تعرّض أحد الفقراء لنهب دكانه من قبل تاجر جشع عُرف بالغنى الفاحش وشراهته المفرطة في حيازة الأراضي والعقارات. هذا الفقير المسكين لا يملك شيئًا من متاع وحطام الدنيا سوى هذا الدكان البسيط الذي يقتات منه لإطعام عائلته الصغيرة، ولأنه من الطبقة الكادحة والضعيفة، عانى كثيرًا في مواجهة ذلك التاجر الجشع الذي يتمتع بالقوة والهيمنة الاجتماعية، فصار الفقير يطالب بحقّه ويده على قلبه المكسور، ومثل هذا الفقير من أين له القوة حتى يستخدمها في مقارعة هذه المدرّعات البشرية، ولكن حالة الضعيف جعلته يستجدي لعلّه ينال بعض الرحمة، ولكن محاولاته اليائسة تحطّمت على أبواب جشع ذلك التاجر، فطرق أبواب الجهات المختصة، وكان يعلم في قرارة نفسه أنها لن تُفلح، وبالفعل، فنفوذ التاجر المندسة في شقوق تلك الأوكار المظلمة حطّمت قلبه البائس، وعصفت بكل أحلامه!

فكّر الفقير كثيرًا، وحاول مرارًا كي يسترد ما أُخذ منه، ولكن كل الظروف وقفت بوجهه، فلم يملك سلاحًا يُحارب به سوى تفويض أمره إلى الله، فصار يدعو ليلًا ونهارًا، وفي كل صلاة كان يطلب من الله أن يسلب من التاجر كل أمواله، وأن يبتليه بالفقر والعوز.

وتمرّ السنين، وثروة ذلك التاجر الجشع تتنامى وتتزايد سنة بعد أخرى، والفقير المغلوب على حاله يعيش الغصّة مما يراه من واقع يخالف ما كان يدعو به.

ومع كل سنة تمضي، يزداد قلق هذا الفقير، إذ يرى لقمة عيشه في فم الأسد ولا يستطيع انتزاعها، ومع ذلك لم يساوره اليأس، وواظب على رفع كفوف الشكوى لخالقه، حتى جاءت اللحظة التي تدخلت فيها الإرادة الإلهية، حيث تعرّض التاجر الجشع هو وعائلته لحادث سير شنيع، وقدّر الله أن تنجو كل عائلته ما عدا هو، الذي تم إخراجه بأعجوبة من وسط ركام السيارة، غارقًا بدمائه، بين الحياة والموت. وفي المستشفى، اجتمعت عائلته وأولاده خارج غرفة العناية المركزة، يترقبون طبيب الطوارئ لطمأنتهم، وفور خروجه أبلغهم الطبيب أن والدهم حيّ، لكنه سيقضي بقية حياته مشلولًا، وعاجزًا عن النطق والحركة.

ارتسمت هالة من الصدمة والخوف على وجوه العائلة، بينما وقف الرجل الفقير في ركن بعيد من المستشفى يراقب ما حدث بقلق، وكان كل أمله أن يكون له كلام خاطف مع التاجر، لعلّه ينقذ شيئًا في الرمق الأخير، ولكن الوضع المضطرب جعله يتردد، واكتفى بالوقوف حائرًا في مكانه، لم يفرح الرجل الفقير بهذا السيناريو الدرامي بقدر ما كان متعجبًا له، فلم يكن يتمناه، ولم يخطر بباله أن يشاهد غاصبه وهو في هذه الحالة المزرية.

وفي ليلة باردة يسكنها الهدوء، استلقى الرجل الفقير على فراشه، يدير رحى الأفكار، ولا يدري ماذا ستُخبئ له الأيام القادمة، وبينما هو شارد الذهن، أغمض عينيه ودخل في نوم عميق، ورأى في المنام كما لو أن رجلًا بدون ملامح يوقظه من النوم، ويقول له: أنت دعوت خالقك ورفعت حاجتك، فاترك التنفيذ للخالق، فهو من يحدد متى وأين وكيف تكون الاستجابة، فأنت لا تعلم مصلحتك كما يعلمها الله عز وجل، وقرأ له هذه الآية قبل أن يتوارى عن نظره: ﴿وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ [التكوير: آية 29]، فأفاق من نومه مفزوعًا، والعرق يبلّل جبينه، تجرّع كوبًا من الماء، واستغفر الله، وحمده على قضائه وقدره، وعلى ما انتهت إليه الأمور.

القصة ليست من نسج الخيال، بل هي من رحم الواقع، ويوجد مثلها الكثير في بيوتات مجتمعنا، والحكمة المستوحاة من هذه القصة هي أننا نتعرض للمظالم في حياتنا، ولنا الكثير من المطالب والحاجات والأمنيات، ولا يتسنى الحصول عليها أحيانًا إلا من خلال الدعاء، فتارةً تتأخر الإجابة، وما تأخيرها إلا لحكمة ومصلحة، وأحيانًا تتحقق على شكل وكيفية لا تتفق مع ما طلبناه، وهذه أيضًا حكمة أخرى، لذا يجب علينا أن نؤمن ونرضى بما يقدمه الله لنا، لأنها بدون أدنى شك تصب في مصلحتنا، والله وحده أعلم متى وأين وكيف تكون عليه المصلحة المخبّأة لنا.