آخر تحديث: 24 / 5 / 2025م - 1:54 م

بكاءُ القلبِ في رحيلِ الطاهر

عماد آل عبيدان

بكاءُ القلبِ في رحيلِ الطاهر

حين يرحل الطاهرون، لا تبكيهم الكلمات بل تُنصت لهم القلوب، وتكتسي الأرواحُ بثوب الأسى.

في رثاء سماحة الشيخ صادق بن الملا حسن المقيلي «أبو طاهر»، هذا القلب ينثر دموعه شعرًا، ويُودّع قامةً مضيئةً بالنور والتقوى والعطاء.

رحل من كان للناس أبًا، وللدين عمادًا، وللمحراب روحًا، فكان لا بدّ من قصيدةٍ تبكيه كما يليق به…

لو قيلَ: طاهِرُ، صوتُ الحزنِ قد وجَبا
وفجَّرَ الفجرُ صدرَ الليلِ ما التهَبا

وناحَ منبرُ قرآنٍ ومئذنةٌ
كأنّما منفس الترتيل قد حُجِبا

تبكيهِ أرضٌ لها في نورهِ نَسَبٌ
تخطو ظلالَ الأسى صمتًا وقد شحَبا

يا فارسَ الخُلقِ، هل في بعدِكَ اتّسَعا؟
هل يحتملْنا الزمانُ الآنَ مُضطَرِبا؟

يا طُهرَ من زهدَ الآمالَ وانتصَبَا
عن عرضِ دنيا، سمتْ في روحهِ الهُدَبَا

يا ساطعَ النورِ، في تقواهُ منسكِبٌ
ما أوثقَ الحبلَ إذ في كفِّهِ انشَعَبا

مشى على نهجِ أهلِ الطهرِ مُتّزِناً
كالنخلِ، مهما هفتْ بالريحِ ما اضطربا

وكان فجراً بدربِ الليلِ مؤتلقاً
يهدي القلوبَ سَنَا الأخلاقِ إن وَجَبا

وكانَ في شرعةِ التقوى له عَلَمٌ
يَصُدُّ نفساً إذا ما راودَت كَذِبا

كأنّ فقهَ الرضا في صمتِهِ وَهَجٌ
يُملي القلوبَ يقينًا طاهرًا عَذِبا

ويا لطيفَ الدعاءِ، كم لنا دمعةٌ
جفّتْ يديهِ، بها ليلُ الأسى اقتربا

يمشي إلى الناسِ، لا ينسى فقيرَهُمُ
كأنَّهُ في سطورِ اللطفِ قد كُتِبا

ما راحَ يُظهرُ للناسِ العُلا أبداً
لكنَّهُ كَتَبَ المعروفَ وانسكبا

هذا الذي في دموعِ اليتْمِ قد وقَفَتْ
لهُ العيونُ، وباتَ الجفنُ مُنتَحِبا

هذا الذي إن مشى، فالطينُ يَنبَسِطُ
ضوءاً، ويَحضُنُ من خُطوِ الرُّؤى سُحُبا

فقدُ الصباحِ، ونوحُ الحزنِ مرتفعٌ
صوتُ ”المُقيليِّ“ إن غابتْ بهِ الخُطَبا

يا شيخُ، هل تنشدُ الأرواحُ قافيَةً
من غيرِ صوتِكَ في الآياتِ والعَتَبا؟

يا أيُّها الناسُ، هذا الفقدُ قد كَتَبَتْ
في الأرضِ نارُ الأسى، والدمعُ قد غَلَبا

هل قيلَ ”طاهرُ“؟ فانشقَّ الفؤادُ شجاً
والماءُ في حزنهِ المسكوبِ قد سُكِبا

صدى المجالسِ لا يُروى سوى عبقٍ
من طيفهِ، كم أذابَ الصمتَ واحتسبا

وكان إن قامَ فينا، فاضَ في ألقٍ
تَهفو لذكراهُ أفلاكٌ وما احتجبا

وآهِ من عزمهِ، كم أزهَرتْ يدُهُ
وجهَ الضلالات في ليلِ الأسى نُصُبا

ولم تزلْ رايةُ التوحيدِ خافقةً
ما دامَ فينا هُداةُ النورِ والقُرَبا

يا قبرَ صادقَ، هل تُخفي لنا قمراً؟
ضمَّ النقاءَ، فألقى النورَ وانسحبا

ناداهُ نُطقُ الهدى: امضِ على ثقةٍ
يا من تَساقى هدىً، بابُ الرضا نُصِبا

بكتْ عليهِ محاريبٌ وما انفطرتْ
إلا عليهِ، ونامَ الحزنُ مُغتَضِبا

يا مَن إذا رفعتْ كُلُّ الأكُفِّ لهُ
ظلَّ الرجاءُ على كفّيهِ مُلتهِبا

يا روحَ طاهر، فينا طيفُكَ اشتعلا
فالحزنُ فينا وإن غبتَ، ارتقى سُحُبا

سلامُ ربّي عليكَ الآنَ في سَكَنٍ
ما ذاقَهُ النورُ إلا مَن لهُ نُسِبا