لغات الحب الخمس
منذ مدةٍ سمعتُ عن لغات الحب الخمس، فشدني الموضوع لأن أقرأ عنه أكثر. فتعلّمت حينها أن للحب خمس طرق مختلفة للتعبير، وقد تطغى إحداها لدى الإنسان، فتكون هي الصورة البارزة للتعبير عن المشاعر الإنسانية لدى كل فرد على حدة.
فأما الحديث عنها، فأولها: الطريقة الكلامية، حيث يعبّر الإنسان عن مشاعره بشكل مباشر باستخدام المفردات للآخرين، كقول: ”أحبك“ أو ”اشتقتك“. وثانيها: الطريقة الجسدية، عندما تكون طريقة التعبير الأساسية بالتلامس الجسدي، كالتربيت على الكتف أو الأحضان. أما ثالثها: فبأن يَسخُر الإنسان وقته من أجل مساعدة الآخرين. وإذا وصلنا للرابعة، فهي: عن طريق الصورة الذهنية، بمساعدة الآخرين على التفكير واتخاذ القرارات لحل مشكلاتهم. أما النقطة الأخيرة، فهي: العطاء المادي، كتقديم الهدايا والأموال كطريقة للتعبير عن الحب.
واستطرادًا لما قرأت، فقد ذُكر أن الإنسان الذي يستطيع امتلاك لغات الحب الخمس بالتساوي، من دون أن تطغى إحداها على الأخرى، ويستطيع أن يقدم لكل إنسان في محيطه طريقة التعبير التي يحتاجها، لا اللغة التي يتقنها هو، فإنّ هذا الشخص يُصنّف بأنه صاحب شخصية نادرة جداً، ويمتلك كاريزما تكاد تكون من شبه المستحيل تقييمها.
فسرحت لبرهة، وأخذتني الأفكار، فكنت أتساءل حينها: هل يمكن فعليًا أن تجتمع مهارات التواصل الفعال بالتعبير عن لغات الحب المختلفة لدى فرد واحد، بطريقة متوازنة ودقيقة بهذا الشكل، حتى تخلق منه كاريزما منفردة تجعله بصمة لا تُنسى في قلوب البشر؟
جوابي لنفسي كان: نعم، فقد عشت وتعايشت مع هذه الشخصية التي جسّدت كل لغات الحب بروح شفافة، وعطاءٍ نابض، وقلبٍ مخلص، وكانت تؤمن بأن الحب في الله لكل ما في الوجود، من بشر وحجر ومدر، هو سر النجاة، وأن مشاعر الكره تتعارض مع الطبيعة الفطرية لكل البشر، فلا متّسع لها في قلبها.
علّمتني تلك الشخصية أن الإنسان، حتى يُتقن لغات الحب، ليس بالضرورة أن يكون ذا منصب أو شهادة عليا، أو وجيه قوم، أو صاحب لسان بليغ، أو أنيق المظهر، أو ذا جمالٍ فائق؛ فكل تلك المعايير ليست أساسًا لإتقان فن لغات الحب.
فعندما وقفت أتأمل في شخصيتها، لخصت لي تلك المعايير في أبسط ما يكون من التعاملات البشرية، منها: «وما الدين سوى الحب»، «وما العمل بإخلاص سوى الحب»، «وما مراعاة مشاعر الآخرين سوى الحب»، «وما العفو عند المقدرة سوى الحب»، «وما كل ما يُعرف يُقال سوى الحب»، «وما الإيثار على نفسك حتى تصنع ابتسامة أحدهم سوى الحب»، «وما السؤال عن أحدهم في زحمة جدولك المزدحم سوى الحب»، «وما الكلمة الطيبة التي نزرعها في نفوس أحدهم من غير مناسبة سوى الحب»، «وما الإمساك بيد محتاج أو التربيت على كتف مريض سوى الحب»، «وما استنفاد وقتك الثمين لإعادة ترتيب شتات أفكار أحدهم، رغم قلبك النازف، سوى الحب»، «وما قدرتك على العطاء من عمق انكساراتك وبعثرتك سوى الحب».
ولو جلست أعدّد ما تعلّمت منها، لانتهى بي الأمر إلى تأليف كتاب أضيف فيه معاني وأعدادًا جديدة لتصنيف لغات الحب الخمس.
هنا فقط، أوقفت حبر قلمي لأتمتم لله شكرًا، وأناجيه بقولي: ”ممتنّة لك يا رب العباد، فكم كنتُ محظوظةً يا إلهي، وهنيئًا لي، فقد جعلتني أكبر تحت رعاية روحية تتقن التعبير بلغات الحب“.
رحلت روحها الطاهرة عنا، لكن لم ترحل عن الوجود لغاتها الخمس في الحب…
فإلى جنان الخُلد، خالتي الغالية…