آخر تحديث: 14 / 6 / 2025م - 3:30 م

واقعة نبهتنا من نومة الغافلين

جمال حسن المطوع

ما من أحدٍ منّا إلا وذاق مرارة الفقد، وشعر بلوعة الفراق حين غاب عنه حبيب أو عزيز على قلبه. نتنهّد ونتأوّه، ونطلق الزفرات من أعماق وجداننا، وهذه طبيعة بشرية فُطرنا عليها منذ أن خلق الله الخليقة. ولكن الأعجب من ذلك والأدهى، أن تجد مشاهد الحزن والأسى تتجلى في مخلوقات أخرى من بهائم الأنعام، التي لا تملك ما نملك من مشاعر وعواطف. ومع ذلك، فإن في بعض الحيوانات غريزة فطرية تنبض بالمحبة والوفاء، تظهر أحيانًا في صور مدهشة تعجز العقول عن تصديقها.

منذ أيام، أرسل إليّ أحد الأصدقاء مقطعًا مؤثرًا عبر منصة يوتيوب. كان محتواه ديكًا فقد دجاجته، فراح يقلّبها يمنة ويسرة، وكأنّه يرجو أن تعود إليها الحياة. ولكن دون جدوى. وما إن حُفرت لها حفرة ووُريت فيها الثرى، حتى ألقى الديك بنفسه على قبرها، ناشرًا جناحيه عليها في مشهدٍ أقرب ما يكون إلى العزاء، وكأنّه يرفض فراقها أو يواسيها في وداعها الأخير.

انتهى المقطع، لكنه ترك في نفسي أثرًا عميقًا، وموعظةً تفوق الحصر. تأملتُ كيف أصبحت قلوب بعض الناس اليوم قاسية، والمشاعر باهتة، والعلاقات الإنسانية هشة لا تصمد أمام أتفه الأسباب. بات الموت خبرًا عابرًا لا يُحرّك في النفوس ساكنًا، وكأننا ألفناه لكثرة ما نراه على الشاشات ومواقع التواصل من مآسٍ ومصائب جمدت مشاعرنا.

نعم، لقد صار معظم الناس - وأنا أولهم - أسرى لحب الدنيا، وغافلين عن قِصر العمر وسرعة انقضائه. فليتنا نتعلّم من حولنا، ونصحو من سباتنا، ونتأمل في صور الوفاء والرحمة حتى من مخلوقات لا تملك لسانًا ناطقًا. أليس من الأولى بنا، نحن أصحاب العقول والقلوب، أن نعي دروس الحياة ونبني واقعًا يسوده التراحم والتسامح والرضا بالقضاء والقدر؟

إننا ضيوف على هذه الدنيا الفانية، واليوم عملٌ ولا حساب، وغدًا حسابٌ ولا عمل. فلنتسامَ عن أحقادنا، ونتطهّر من شوائب قلوبنا، ونسلك سبيل الصفاء، ونتشبّث بحُسن الخصال وجمال الوصال، ونتخلّق بأخلاق الأنبياء الذين بعثهم الله رحمةً للعالمين.