تراثُنا المُغَلَّلُ بأصفاد الحديد
صورة أو مقطع، وثيقة أو مخطوطة، كلها تقبع في دولابٍ قديم داخل غرفةٍ مغلقة، لا يُسمح بظهور أيٍّ مما تحتويه للعلن. هذا هو حال كثيرٍ من تراثنا، الذي يحتكره البعض لأنفسهم في ظاهرة تدعو إلى التأمل: هل ستقلّ قيمة التراث إن عُرض على الناس؟ رغم توفر الوسائل الحديثة التي تتيح حفظ الحقوق من خلال الشعارات والعلامات المائية صعبة الإزالة.
هذا الاحتكار حرم كثيرًا من أبناء القرى - كقريتي، الجارودية - من الاطلاع على صور أجدادهم وأهل قريتهم، كما حرم الباحثين والكتّاب من توثيق تاريخها وتراثها. لا التودد يجدي، ولا الوساطات تنفع، فقد سيطرت فكرة الاحتكار على بعض حاملي التراث المحلي، حتى أصبح تاريخ بعض المناطق لا يُعرف منه إلا ما سُجّل في نحو نصف قرن فقط.
وعلى من يمتلك شيئًا نادرًا أن يُدرك أنه الأعرف بتفاصيل ما لديه، ولكن برحيله المحتوم، ستُفقد تلك التفاصيل، كزمان الصورة ومكانها وسياقها، إذ لن يبقى من يشرحها. كما ينبغي أن يعلم أن كثيرًا من المكتبات العالمية تنشر اليوم أندر المخطوطات وأغلاها، ولم يُنقص ذلك من قيمتها شيئًا، بل زادها شهرة وانتشارًا.
أخيرًا، أدعو المجتمع إلى إعادة النظر في التعامل مع الباحثين، واحتوائهم ومساندتهم لإبراز تراث مناطقهم. فإتيانهم إليكم بلطف وتقدير لا يعني أنهم ضعفاء أو متوسلون، كما أن انتقادهم بعد الإحباط من عدم تعاونكم لا ينبغي أن يُفسّر على أنه إساءة أو تشويه، بل هو نداء صادق للحفاظ على ما تبقّى من ذاكرتنا الجمعية.