وداعًا حسن جواد المعراج
رحلت ولم نزل نتذكر أحاديثك التي كنت تلقيها بأسلوب شيق يُسكت الحاضرين طواعًا لسماعه، عن ماض المنطقة وكيف كانت المعيشة قبل عقود، سألتك عن أمور عديدة، منها أن هل سافرت للبحرين قبل إنشاء الجسر الرابط بيننا وبينهم؟ فجاوبتني وقلت أنك سافرت في سنة 1399 هـ مستقلًا أولًا السيارة للانتقال من القطيف للخبر، وبعدها استقللت «اللنج» الذي يستغرف في الإبحار ثلاث ساعات - إذا لم يكن هناك هواء يعيق الرحلة - لنقله للبحرين وكان تكلفه رحلة «اللنج» 30 ريالًا، ومن ثم عدت بعدها في رحلة جوية كلفت 120 ريالًا مستقلًا الطائرة ونازلًا مطار الظهران.
وسألتك عن الملا مكي بن قاسم بن أحمد المدن «انتماءً» الجارودي «رسميًا»، وحدثتنا عن قراءته في سنة 1374 هـ تقريبًا في شهر محرم، بحسينية مياس التي كانت مزدحمة بالحضور والتي كانت أنوارها تُضاء بماطور الكهرباء، وحدثتنا عن استئجار أهل التوبي لحمار لنقل الملا مكي من بيته لحسينية الرضا «اسمها الحالي» للقراءة عندهم، وحدثتنا عن تناوب الملالي وهم الملا مكي والملا سليم والملا حسن لسنين طويلة على القراءة في عادة أسبوعية بنخل السَّلَّاميَّة بقرية الجارودية، وحدثتنا عن مستشفى قديم كان في القطيف وهو يقع مكان الدفاع المدني بحي البحر حاليًا وكان المستشفى يتكون من غرفتين فقط.
وسألتك عن بيوت الزمن القديم فأجبتني أن في طفولتك أي تقريبًا في عام 1367 هـ أن المقتدر من الناس كان يصنع بيته من الحصى والطين، أما الفقراء فكانت بيوتهم مصنوعة من الطفو والتراب الذي يُخلط في حفرة مع الماء وتسمى هذه الحفرة «غِيْلَة»، وأما من لم يستطع صنع بيت له من الطفو والتراب فكان يصنع له عشة ويسكن فيها.
وفي حديث لك في مجلس كنا فيه كنت تتحدث مع أحد كبار السن فنطقت بكلمة لم أعرف معناها وهي «سَبْرَة»، فأوقفت حديثك وأدرت وجهك ناحيتنا وسألتني مبتسمًا أنا وصغار السن الموجودين في المكان، عن معنى الكلمة فلم نعرف معناها، فضممت بيديك كهيئة الشخص في وسط البرد القارس، وقلت أن كلمة «سَبْرَة» تعني شعور البرد الشديد بعد الخروج من بيوت الطين.
وحدثتني عن مدينة العمال الأولى في المنطقة وهي التي بالدمام، وكيف أنهم أعطوا موظفي أرامكو السيارات، وأعطوا بعضًا من السيارات لأهل القطيف في عام 1976 م تقريبًا، لا أنسى أول لقاء لي معك حيث تحدثنا ونحن خارجون من المكان بعد نهاية الجلسة وكنت لابسًا نظارتك الشمسية التي كانت تلازمك دائمًا، وبعد جلوسك في السيارة استعدادًا للرحيل دار بيننا حديث قصير وقلت لي أنك لا تمانع في مساعدتي في أي شيء تعرفه وثم ودعتني وقلت: مع السلامة حبيبي، رحمك الله وحشرك مع من تحب، الفاتحة لروحه.