آخر تحديث: 29 / 4 / 2025م - 8:24 م

ديمقراطي في الحزب الجمهوري

يوسف مكي * صحيفة الخليج الإماراتية

في الولايات المتحدة، كما في معظم الدول الغربية، التي تتبنى النهج الديمقراطي، يتنافس على الوصول إلى السلطة حزبان رئيسيان، هذا التنافس هو أقرب إلى تبادل الأدوار، ولا يمثل في الأغلب حالة صراعية. موضوع هذا الحديث، مكرّس لتناول التجربة الأمريكية، وحالة الترقيع التي بلغتها في عهد الرئيس الحالي، دونالد ترامب.

تأسس الحزب الجمهوري عام 1854، ممثلاً للأوليغارشية، التي قادت عملية التصنيع بأمريكا. وقد عملت هذه الطبقة بقيادة أبراهام لينكون لإلغاء الرق، بما اعتبر مناهضة لملاك الأراضي الزراعية، الذين كانوا يستخدمونهم في حراثة أراضيهم. في ذلك الوقت، كان الحزب الديمقراطي، هو الممثل للإقطاع، وقد قاد انفصال الولايات الجنوبية، عن المركز. ولذلك اندلعت الحرب الأهلية، بهدف إعادة الولايات المتمردة إلى الاتحاد. وقد جسدت مارغريت ميتشل في روايتها «ذهب مع الريح» طبيعة ذلك الصراع.

تفاصيل التطورات التي حدثت في الحزبين، هي أكبر بكثير، من الهامش المتاح لمقالة قصيرة كهذه. ولذلك نكتفي بالتركيز، بشكل مختصر، على الواقع الراهن للحزبين.

الحزب الجمهوري، يسترشد بنظرية آدم سميث، في كتابه «ثروة الشعوب.. دعه يعمل»، حيث يتقلص دور الدولة، وتخفض الضرائب على المنتجات، بكافة تشعباتها. ويضعف أثناء هيمنة الجمهوريين، الدور الأساسي للطبقة المتوسطة، التي تمثل العمود الفقري للاقتصاد، كونها الوسيط، بين الطبقة الرأسمالية والجمهور. وخلال هيمنة الجمهوريين على السلطة، سواء في البيت الأبيض أو الكونغرس، يتضاعف أعداد العاطلين عن العمل، وبالمثل يتراجع دور الحكومة الفيدرالية في تقديم الخدمات الاجتماعية، وتتناقص أعداد رجال الشرطة، وتتكاثر نسبة الجريمة. وفي حال استمرار الجمهوريين في سدة الحكم، لأكثر من دورة رئاسية، فمن المرجح، أن يسود البلاد كساد اقتصادي كبير.

أما الديمقراطيون، فيمثلون الطبقة المتوسطة، حيث من المفترض أن تتحقق دولة الرفاه. وخلالها، تتعهد الدولة، بتوسيع دائرة الخدمات الاجتماعية، ومعالجة مشاكل البطالة، وتتضخم أجهزة الحكومة الفيدرالية، بما يجعل الدولة مضطرة لرفع نسب الضرائب، لتكون قادرة على الوفاء بالتزاماتها. وينتج عن ذلك، ارتفاع أسعار المساكن والإيجارات، وما إلى ذلك من الخدمات. وفي حالة استمرار الحزب الديمقراطي لأكثر من دورة رئاسية، يحدث ارتفاع كبير في نسب التضخم.

وهكذا نجد أن العلاقة بين النهجين الاقتصاديين، الحر والموجه، هي علاقة تبادلية، وليست صراعية. فالانكماش والكساد، لا تتم معالجتهما، إلا بوصول الديمقراطيين للحكم. والعكس صحيح، فوصول التضخم، وارتفاع الأسعار إلى حالة لا تحتمل بحاجة إلى الجمهوريين، لمعالجة هذا الواقع. وهكذا يستمر دوران العجلة الاقتصادية، من انكماش تتسبّب فيه سياسة الجمهوريين، إلى تضخم ينتج عن البرامج الاقتصادية للديمقراطيين.

هذا الواقع الذي فصلناه، يفسر لنا، لماذا يتم الانتقال السلمي للسلطة بين الحزبين الرئيسيين، إلا فيما ندر. بل إن الوعي بهذه البرامج هو الذي يفسر أسباب تصويت عتاة الجمهوريين في بعض الحالات، لصالح رؤساء ديمقراطيين، كما في حالة التنافس بين جو بايدن ودونالد ترامب، حيث صوّت لصالح بايدن، الرئيس الأمريكي السابق، جورج بوش الابن، ونائب الرئيس دان كويل، وعدد آخر، من قادة الحزب الجمهوري، في الانتخابات الأمريكية، السابقة. ورغم ذلك وصل ترامب لسدة الرئاسة، وخسر غريمه، وكان العامل الحاسم في انتصار ترامب، هو وصول حالة التضخم، في نهاية عهد الرئيس أوباما، لمستوى لا يحتمل.

في الانتخابات الرئاسية، التي أعقبت وصول ترامب لسدة الحكم، تمكّن جو بايدن، من الوصول لسدة الرئاسة، وبقي لدورة رئاسية واحدة، وفرض عليه، من قبل حزبه وعائلته، عدم الترشح لدورة رئاسية أخرى، بسبب كبر سنه، وشيوع بعض مظاهر الخرف في سلوكه. وتنازل بايدن عن الترشح لدورة رئاسية أخرى، لصالح نائبته، كامالا هاريس، التي خسرت في مواجهة الرئيس الحالي ترامب، ليعود مرة أخرى للمكتب البيضاوي.

هكذا يلاحظ، في الدورات الرئاسية الثلاث الأخيرة، عدم تكرر استلام الحزب لأكثر من دورة رئاسية واحدة، بما يعكس ثقل الأزمة الاقتصادية التي تمر بها الولايات المتحدة، وعجز الحزبين الرئيسيين عن إيجاد معالجات جذرية لها.

العنوان الذي تصدر هذا الحديث، ديمقراطي بالبيت الأبيض، يعكس حالة التخبط، والعجز عن إيجاد معالجات حقيقية للأزمة الاقتصادية التي تعاني منها الولايات المتحدة. فترامب الجمهوري، يتبنّى سياسات ضريبية عالية في الداخل والخارج، بما يجعل نهجه أقرب لسياسات الحزب الديمقراطي، وليس لسياسات الجمهوريين التي تتبنّى سياسة «دعه يعمل».

الأزمة الاقتصادية الراهنة، بالولايات المتحدة، تشي بأن العالم بأسره، على أعتاب مرحلة تاريخية جديدة، هي تراجع النفوذ الأمريكي، على كافة الصعُد، واكتساح التنين الصيني، للأسواق العالمية، والمنافسة العسكرية الشرسة، مع الدب القطبي. ولن يطول انتظار بزوغ المرحلة الجديدة، فقد برزت تباشيرها بوضوح، في كل المجالات.

والأهم في هذه التحولات العالمية الكبرى، هو انعكاسها، على واقعنا العربي، حيث لا نزال باستثناءات، قليلة، على هامش التاريخ. لا بد من رسم خطط عملية وتنموية، لتجاوز الواقع الراهن، والولوج في عصر تنوير جديد، يجعلنا، دون خوف أو وجل، في القلب من التحولات الكونية، التي تجري من حولنا. وبالتأكيد علينا الانتقال إلى بناء دولة عصرية، بكل ما تقتضيه متطلباتها، من سرعة في البناء والتصنيع، واعتماد العلم الحق والقول الحق، لنستحق أخذ مكاننا اللائق بجدارة، في عالم ليس فيه مكان إلا للأقوياء.