خيرة فرجيليو.. وصعوبة اتخاذ القرار
فرجيليو أو Virgil هو شاعر روماني عاش في القرن الأول قبل الميلاد وله كتاب في شعر الملاحم يسمى الإنيادة Eaneid على غرار الإلياذة والأوديسة المشهورتين للشاعر اليوناني هوميروس «القرن الثامن قبل الميلاد». وهو ذاته فرجيليو الذي تمثله الشاعر الإيطالي دانتي في «الكوميديا الإلهية» ليقوده إلى العوالم العليا. الطريقة «خيرة فرجيليو» تكون كالآتي: تفتح كتاب الإنيادة، وتختار سطرا عشوائيا «أو بيت شعر عشوائيا» ثم تقوم بتفسيره، وتعمل بمقتضاه «أبيات الإنيادة مرقمة كما هي آيات القرآن». وعندما تبحث عن خيرة فرجيليو تجد بعض الأحداث التاريخية التي اتخذ القرار فيها بناء على هذه الخيرة قبل ميلاد المسيح، وفي العصور الوسيطة وقليلا في عصور التنوير.
عندما تبحث أكثر قليلا تجد أن الطريقة ذاتها وجدت طريقها لدى اليهودية والمسيحية، وأصبحت تسمى Bibliomancy أو الاستفتاح بالإنجيل أو التوراة أو أي كتاب مقدس. وفيها تمسك بالكتاب المقدس من ظهره، وتتركه ينفتح بشكل حر، ثم تضع إصبعك وأنت مغمض العينين على الصفحة لتقرأ الآية التي سترشدك. لا أدري كم بقي من الممارسات هذه اليوم في العالم المسيحي أو اليهودي؟
وكلنا يعرف أساليب الخيرة التي يقوم بها المؤمنون ليهتدوا إلى القرارات الصائبة في حياتهم. في وقتنا الحاضر يستعمل المؤمنون بعض الأساليب التي يستشرفون بها الغيب، ويرون فيها توجيها ربانيا للقيام بعمل ما أو ترك الإقدام على عمل ما. من هذه الأساليب المعتادة هي الاستفتاح بالقرآن وقراءة الآية في أعلى الصفحة ومحاولة استنطاقها وتحويل معناها إلى أمر بالفعل أو أمر بالترك، وفي الأغلب يلجأون في هذه العملية إلى شيخ أو عالم دين، ويتخيرون لها أوقاتا مباركة وأدعية خاصة. من الطريف أن بعض الإيرانيين يستعملون ديوان الشاعر الإيراني الكبير حافظ كثيرا للتفؤل، ويسمونه «فال حافظ» وقد تم تطويرها في السنوات الأخيرة على شكل بطاقات جميلة تضع المقطوعة الشعرية في الأعلى، وتضع أسفلها مؤداها وما توجهك إليه.
لا شك أن عملية اتخاذ القرار عملية مضنية خاصة إذا ما تقاربت الخيارات في أمر خطير. إنها عملية صعبة في اتخاذ القرار ذاته وصعبة في تقبل نتائجها والرضا بتلك النتائج. وكم منا من قلب أمرا ما واجهه أياما وليالي متحيرا بين خيارين أو أكثر يقدم أحدها يوما، ويؤخره يوما آخر. بل إن مسائل الاختيار اليومية الروتينية تستهلك من الإنسان جهدا ليس بالبسيط. فالحياة في جوهرها سلسلة من الخيارات التي تواجهنا كل يوم وعلينا الاختيار. من الطريف أن رئيس أمريكا السابق باراك أوباما يقول في مذكراته أنه يحاول تقليل الجهد في الأمور البسيطة ليحتفظ بطاقة تفكيره في الأمور المعقدة فيختار، مثلا، عددا من البدلات الرسمية بنفس اللون والتصميم، حتى لا يواجه سؤال الاختيار بينها يوميا.
كما أن الإنسان عندما يواجه القرارات الصعبة والحاسمة في حياته يصعب عليه التعايش مع نتائج قراراته واختياراته إذا ما ثبت خطؤها لاحقا، لائما نفسه على ما فرط في حق نفسه أو غيره، لكنه يشعر بالرضا والقبول أكثر عندما يعتقد أن ذلك الاختيار لم يكن اختياره هو، وإنما اختيار الله له، حتى لو كان على خلاف ما يحب. ويختلف الاستعداد الذاتي لدى الأفراد في تخليهم عن قناعاتهم الذاتية مقابل قناعات يعتقد أنها قناعات غيبية تمثل إرادة الله لهم. فيميل البعض إلى التمسك باتخاذ القرار الطبيعي معتمدا على ما هداه إليه عقله وحدسه واستشاراته، ويميل آخرون إلى اعتماد الخيرة «أيا كان نوعها» كما يتفاوت الناس في القدرة على التعايش مع الألم النفسي الذي يشعرون به في حال خابت آمالهم.
إن لعملية اتخاذ القرار جوانب تربوية وثقافية كذلك. فالمجتمعات المختلفة تتفاوت تنشئتها لأفرادها في هذا الشأن. ففي حين تميل الشعوب الغربية إلى تحميل الفرد مسئولية قراراته بقليل من التدخل، وقليل من الشفقة، يجد الفرد الشرقي أن عليه أن يتشاور مع من حوله أولا، ويقدم رأي غيره على رأيه أحيانا، وإذا بقي غير جازم في أمر ما، لجأ ربما إلى أساليب مثل القرعة أو الاستخارة أو ما شابه والمجتمع يتسامح معه في اختياراته الخاطئة على أنها قدره الذي لم يكن لينجو منه. عندما يُربى الإنسان على اتخاذ قراراته بنفسه مرة بعد مرة، وأن يتقبل نتائجها، تسهل عليه هذه العملية، ولا تشق عليه نتائج قراراته، وهذا يتطلب اهتماما من الصغر بكيفية اتخاذ القرار وتحمل المسؤولية عنه.
بقي أن نشير إلى جانب آخر، إذا ما وضعنا الاستخارة في خانة العشوائية. إذ يقول الكاتب الأمريكي - اللبناني نسيم نيقولا طالب في كتابه «مقاومة الوهن والهشاشة» أن العشوائية «الخيرة هنا» قد تكون ذات نتائج أفضل من الطرق الاعتيادية «الانتخابات مثلا في حال انتخاب الحاكم». ويمثل لذلك بانتخابات عام 2016 في الولايات المتحدة الأمريكية التي أفرزت حاكما مثل ترمب، فيقول بأن خيرة فرجيليو مثلا «أو خيرة بالقرآن أو حافظ» ستفرز حاكما أفضل على الأرجح.