آخر تحديث: 29 / 4 / 2025م - 12:05 م

قطاع طرق

ورد عن الإمامُ الصادق : "لَعَنَ اَللَّهُ قَاطِعِي سَبِيلِ اَلْمَعْرُوفِ، وَهُوَ اَلرَّجُلُ يُصْنَعُ إِلَيْهِ اَلْمَعْرُوفُ، فَيَكْفُرُهُ، فَيَمْنَعُ صَاحِبَهُ مِنْ أَنْ يَصْنَعَ ذَلِكَ إِلَى غَيْرِهِ» «الاختصاص ص 241».

مقابلة الإحسان وصنيعة المعروف ممن يحمل بين جنبيه فطرة سليمة ونفسا نقية مجازاته المقابلة بالإحسان ومشاعر الامتنان وشكر هذا المعروف، وليس معنى ذلك هو انتظار الشكر والثناء ممن أسديت له معروفا واعتباره مجازاة عليه، ولكن المشاعر الإنسانية النبيلة تسير وفق الفطرة والمعايير الأخلاقية الفاضلة باتجاه التلاقي والتوافق مع المعروف ومقابلته بالطيب في المنطق والنظرات الحانية، وهذا مبعث ورافد لمبدأ الاحترام والتقدير بين الناس، حيث تبقى المودة في إطار التكافل والمعروف في أوج مظاهرها، وأما النكران وتناسي المعروف وكأنه لم يكن بل وقد تصل النوبة إلى مقابلة الإحسان بالإساءة إليه فنتائجه كارثية، والبعض أصبح ممن يعد المعروف حقا من حقوقه التي تصل إليه وليس معروفا يُسدى إليه، وهذا لا يعني أن صاحب المعروف ينتظر المجازاة والتشكّر على خيره، ولكن مثل هذه الرسائل السلبية قد تشكل فكرة بأن من يصل إليه المعروف سيعض اليد التي تحنو عليه، وهو ما يشكل إحباطا عند النوع الجمعي ودافعا نحو تجنب فعله مع الآخرين مستقبلا، فالصورة المتشكلة عن قصص ناكري المعروف يخاف من منعها البعض عن القيام بأفعال الخير وصنيعة المعروف والابتعاد عن مظلة التفاعل والمشاركة الوجدانية والفعلية مع حاجات وهموم الآخرين.

ونقدّم مثالا محسوسا عن نكران المعروف ومقابلته بالإساءة بصورة حية تلامس وجدان الكثير، وهو طلب البعض المساعدة المادية واقتراض مبلغ معين والاستعداد لسداده خلال فترة معينة، وإذا به بعد فترة من استلامه يتلكّأ في السداد ويسوق الأعذار الواهية ويتجنب أي لقاء أو اتصال مع الدائن، أفلا يكون مثل هؤلاء قطعا لسبيل المعروف مع الطيبين مستقبلا، ومنه يتشكل الإقراض بعبعا عند الناس من عدم سداده بل ونكران أصل القرض، خصوصا مع استنكافنا وبعدنا عن مسألة توثيق الديون - مع أن أطول آية في القرآن الكريم هي آية الدين - مما خلق بيئة خصبة لتكاثر ناكري المعروف وآكلي حقوق الآخرين.

وقد يكون الشعور بالنقص أو الابتلاء بمشاعر التعالي والغرور هو الدافع نحو مقابلة الإحسان بالإساءة، فعندما تقدم نقدا إيجابيا أو نصيحة لآخر بكل احترام ولباقة بقصد إكمال صورته الجميلة وخلوها من أي خدش، تنقلب الصورة ويعد مثل هذه اليد الممتدة لمساعدته هجوما عليه ولا بد من مقابلته باعتداء أقوى منه، فيبدأ بالحديث عنه أمام الغير بسوء ويسعى لتشويه صورته والتحدث عنه بأقسى العبارات وأقذعها، فمن السبل الشيطانية الماكرة التشكيك في نوايا الآخرين وتصوير أي كلمة طيبة أو موقف جميل منهم بأنها قناع لمآرب خفيفة - فوراء الأكمة ما وراءها كما يقال -، وبالتأكيد فإن تفشي هذه الظاهرة السلبية يؤدي إلى تدهور العلاقات المجتمعية وضربها بضعف الثقة المتبادلة وروح التعاون والتكاتف، ويرتفع دخان الخصومات والصراعات بسبب الدخول المتهور في أتون هذه الخلافات المتصاعدة، وليس هناك من عامل هدام ومسبب للإفساد المجتمعي ومضعف للتمسك بالقيم الأخلاقية كنكران الجميل.