آخر تحديث: 29 / 4 / 2025م - 2:24 م

الصورة النمطية عن الشاعر

ياسر آل غريب *

أول من استعمل مصطلح الصورة النمطية هو الصحفي الأمريكي والتر ليبمان في كتابه الرأي العام، ويقصد بها الصورة الذهنية الجاهزة مسبقا عن شعب أو شخص أو حالة ما، مؤكدا أن الناس لا ترى بعيونها فقط، بل بهذه القولبة أيضا التي تتشكل في أذهانهم.

كثير من تفاصيل حياتنا يخضع لمثل هذه الصور التي تصنعها وسائل الإعلام والجماعات، حتى تتغذى الأفراد من صنيع الضبابية والتشويش، ومن الصعب الانفكاك عنها والتخفف من غلوائها. كلمة أدونيس: ”أنت لا تكرهني. أنتَ تكره الصورة التي كونتها عني، وهذه الصورة ليست أنا.. إنها أنت“ تكشف الفرق الشاسع بين الحقيقة والانطباع.

في ذهن القارئ نماذج متعددة وفق هذا التفكير سلبية أو إيجابية على مناطق وجنسيات وفئات، وبإمكاننا أن نستحضر هنا ما يشاع وما يقال عن الشعراء فالبعض يراهم مفرطين في عواطفهم وغارقين في خيالاتهم، ولعل هذا الحكم ناشئ من تأثيرات المذهب الرومانسي في الأدب، وهناك من يتصور أن لديهم طقوسا أثناء الكتابة، وأن القصيدة تولد على ضوء شمعة أو صوت موسيقى، قد يحدث هذا لكن ليس بالضرورة أن تكون ممارسات غرائبية مصاحبة للإبداع، فكل مايطلبه الشاعر التوقيت المناسب والمكان المهيأ وورقة أو لوحة المفاتيح لكي ينتج نصوصه. قد يزور بقعة ذات طبيعة خلابة، وليس شرطا أن يكتب لحظتها، فهو يختزن هذه الأجواء؛ ليفرغ بعد ذلك حروفه في مقهى شعبي مثلا.

في العصر الحديث لم تعد فكرة اتصال الشاعر مع ملاك رائجة أو مع الجن كما في أسطورة وادي عبقر العربية. ولقد تغيرت النظرة إلى الإلهام من مصادر ماورائية إلى كونه حالة نفسية طبيعية تأتي طواعية نتيجة الاندغام مع البيئة والتأثر بالقراءات والانهماك بالتجارب.

من التصورات الغريبة أن ينظر إلى الشاعر كالآلة، اعتقادا أنه يستطيع الكتابة في أي موضوع وزمان ومكان، وأن لديه القدرة على اختراق المناطق المحظورة بكل سهولة، وما هذه المغالطات إلا ناشئة من الجهل بالكينونة الأدبية.

الشعر لا ينتهي، ولم يكن يوما صورة نهائية، ففي كل عصر له أمواج من التحولات، وها هو السيد عدنان العوامي يقف على حقيقته التي تتضمن سلسلة من المكابدات النفسية:

يلومني فيه أحبابي وأعذرهم
لو جربوا الشعرَ مثلي مرة عذروا

لو لامسوا الجمرَ، لو ذاقوا مرارته
لو جربوا الروحَ يومًا كيف تُعتصرُ

لو كابدوا قسوةَ المأساةَ في كبدٍ
يخالها الناسُ تشدو وهي تُحتضرُ