خطة أمل
سمعتم بهذه المقولة ”أولئك الذين يفشلون في التخطيط، يُخططون للفشل“ أليس كذلك..؟ لا أعتقد أن هناك من أحد يعارض المفهوم الأساس لهذه المقولة، إلا أُناس آثرت وأصرّت بغير علم على التمرد على حواسها فصمّت آذانها حتى باتت لا تسمع إلا حديثها، فخططت دون علم لفشل يتبعهُ فشل ﴿وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا﴾.
قد يسأل أحدهم ماهو التخطيط ولماذا نخطط وكيف لنا أن نخطط ومتى وتحت أي ظروف؟ قبل كل شيئ دعني أخبرك يا سيدي بأن التخطيط هو أحد أهم تقنيات إدارة المشاريع، بل وإدارة الوقت أيضًا. والتخطيط هو تحضير سلسلة من الخطوات العملية التي يُرجى من ورائها تحقيق بعض الأهداف المحددة. وإذا ما أتقنا ذلك على نحو فعّال، فإنه بإمكاننا تقليل الكثير من الوقت والجهد والمال في تحقيق أهدافنا المنشودة.
والخطة هي خارطة طريق نرجع إليها بين وقت وآخر لمراقبة تقدمنا نحو الهدف، ورصد النسٓب التي أنجزناها، وهل ما تم إنجازه متماشي مع خططنا، أو أننا انحرفنا بعض الشيئ. كل تلك المتابعة تنتهي بمعلومات وبيانات دقيقة تُرشدنا إلى كيفية التوجُه مستقبلًا ضمن رؤية واضحة المعالم. قراراتنا عندها تكون مناسبة وفي الإتجاه الصحيح بعيدًا عن التخمين والعشوائية. وبهذا نكون قد وصلنا إلى هدفنا بأقل تكلفة ووقت وبالجٓوْدٓة المرجُوة.
في البيئة الإدارية للأعمال يعتمد مديري الشركات والمؤسسات على ثلاثة أنواع رئيسة من الخطط، سعيًا منهم لتحقيق أهدافهم وتشمل تلك الخطط: الخطة التشغيلية، والتكتيكية والإستراتيجية. علاقة هذه الخطط بعضها مع بعض يساعد في تحقيق الأهداف التنظيمية. هناك أيضًا خطط تدعم الخطط آنفة الذكر ويُعمل بها في حال فشل أي من الخطط الرئيسة وتُعْرف هذه باسم خطط الطوارئ «contingency plans». أخيرًا هناك ما يسمى بالخطة البديلة «alternative plan» وهي محور مقالتي الذي سأتناوله بعد قليل.
العالم اليوم يواجه تحديًات هائلة على كثير من الأصعدة ولكن هناك بصيص أمل يدعونا للتفاؤل. الكثير من المشاكل الإقتصادية التي نواجهها نحن والكثير من الدول يمكن التعامل معها بروح الفريق الواحد للوصول إلى حلول وذلك باستخدام التقنيات المتوفرة. لهذا يتعين علينا القيام بأشياء ربما غير متمشية مع خططنا السابقة لتحريك عجلة الإقتصاد المحلي والعالمي إلى الأمام مرة أخرى وإيصاله إلى الحالة المستقرة والمستدامة التي نصبوا إليها، وهذا فعلًا ما بادرت إليه واحدة أو أكثر من الدول وحققت نجاحات مذهلة.
الخطة البديلة «alternative plan» تُشٓكّل حسب الحاجة لإنقاذ مقدرات الأمة ومستقبلها بعيدًا عما يعتبره صُنّاع القرار ممكنًا من الناحية السياسية. كما أن الخطة البديلة لا تدخل ضمن قطاع معين، أو مجموعة من الإفتراضات بعينها. وفي هذه الخطة لا يُنظر فقط إلى حجم العمل بقدر ما يُنظر إلى عامل الوقت والسرعة التي يتعين من خلالها تنفيذ المهمة.
في العام 1941 عندما هجمت اليابان على بيرل هاربر، اتخذت الولايات المتحدة قرارًا إستراتيجًيًا بانتهاج خطة بديلة وذلك بالتحول من إنتاج السيارات إلى الطائرات والدبابات وذلك من باب الإستعداد لمواجهة ماهو أسوأ، وهذه الخطة لم تأخذ أعوامًا لتترجم إلى أعمال وإنما تم إنجازها في غضون أشهر.
في زمننا الحاضر العديد من البلدان قدمت نماذج حضارية ناجحة مختلفة من خلال إقدامها على تبني الخطة البديلة في توجهها. فالدنمارك على سبيل المثال تحصل على أكثر من 30% من الكهرباء التي تحتاجها عن طريق الرياح. والتخطيط جارٍ لرفع تلك النسبة إلى 60%. كما أن أكثر من 40 مليون صيني يحصلون على الماء الساخن لمنازلهم من سخانات مياه تعمل بالطاقة الشمسية.
نحن بطبيعة الحال لا نحتاج للطاقة الشمسية لتسخين مياه منازلنا بقدر ما نحن بحاجة إليها لتشغيل مكيفات الهواء التي أصبحت من الضروريات في أجواء صحراوية حارة تتعدى فيها درجات الحرارة ال 50 درجة مئوية. تشغيل تلك الأجهزة طوال اليوم يرفع من تكلفة فاتورة الكهرباء لتصل في نهاية كل شهر إلى أرقام فلكية باتت تشكل عبئًا كبيرًا على المواطن البسيط، وإن إنتهاج خطة بديلة قد يخفف الكثير من تلك الأحمال والضغوط على الأفراد بل حتى على المؤسسات والشركات التي تحتاج إلى الكهرباء لتأدية أعمالها. هذه فقط أمثلة سردتها من باب توصيل الفكرة، إلا أن هناك الكثير مما يمكن تحقيقه ما أن وضحت الرؤية وتوفرت الإرادة.
كلنا أمل أن تسعى بلداننا العربية في أن تكون لديها خططًا بديلة تدعم توجهاتها لبناء إقتصاديات قوية مستدامة تؤسس لمستقبل زاهر يقلب الطاولة رأسًا على عقب ليجعل من عالمنا العربي أيقونة نموذجية يحُج إليها الناس من كل حدب وصوب ليتعرفوا على مدى التقدم المؤمّل أن تصل إليه تلك البلدان. الخطة البديلة هي خطة عمل جبارة تتطلب مجاهيد مذهلة، إلا أنها في نفس الوقت خطة أمل ينتظرها الجميع ويُعلّق عليها الكثير من التطلعات المستقبلية. دمتم سالمين