إختيارك لمفرداتك إنعكاس لشخصيتك
لا أحد يشك في أن الكلمات التي نختارها للكتابة أو التحدث هي تعبير عن ذلك المخزون من الأفكار والثقافات التي تبلور شخصيتنا والتي يرانا من خلالها الآخرون. الكلمات هي تلك الوسيط الذي نسعى من خلاله ككُتاب ومتحدثين أن نعبر عن ما يجول في دواخلنا من أفكار وهذا بطبيعته يكشف جانبا كبيرًا عن طابع شخصيتنا.
تواصلنا اليومي مع الآخرين، هو الآخر يحتاج إلى الإلمام بقدر معقول من مهارات الإتصال والقدرة على تطويع اللغة لخدمة ذلك الرافد المهم من حياتنا. النظر في كيفية اختيارنا السيئ لمفرداتنا، يؤدي في الكثير من الأحيان إلى الإحتكاك والجدل ومن ثم إلى التخاصم والتنازع بيننا وبين أفراد الأسرة الواحدة والأصدقاء أو حتى الغرباء. للأسف، كل وسيلة نلجأ إليها لإثراء تواصلنا مع الآخرين، تقابلها طريقة أخرى معاكسة قد نلجأ إليها بقصد أو غير قصد، يؤدي استخدامها لإلحاق الضرر بالآخر.
حتى على المستوى الشخصي، من منا لم يفقد أعصابه في وقت من الأوقات وصبّ جم غضبه من خلال تعابير شفهية قاسية ألحقت ضررًا عاطفيًا ومعنويًا بالطرف الآخر. عندما نكون نحن الطرف المتلقي لتلك الكلمات المهينة وغير العادلة، فلا شك أن آثارها تكون مدمرة وقد توصلنا إلى الشلل التام، لا سمح الله، لشدة وقعها. علينا أن نكون دائمًا على استعداد لتجاهل ما نسمع وأن نمضي في حياتنا الطبيعية دون أن تتكون لدينا تلك الرغبة في معاقبة الآخر بالرد عليه باستخدام كلمات تحمل نفس الإساءة والضرر. علينا أن نبذل المزيد من الجهد حتى لا نترك عواطفنا تحكمنا لننتهي نادمين على ما صدر منا من قول أو عمل.
معاملة الآخرين بما نحب أن يعاملوننا به قد تكون سهلة في القول إلا أنها في الفعل تحتاج إلى الكثير من التربية الذاتية والقناعة والتنازل عن التكبر والغطرسة والغرور. وللمساعدة على إبقاء ولو الجزء اليسير من التواصل الإيجابي وتحسين علاقاتنا الشخصية والحد من الصراع وتعزيز التفاهم، علينا أن نأخذ بعين الإعتبار هذه الإضاءات:
الإصغاء وإعطاء المتحدث إنتباه كامل، هي مهارة قلّ من يلتزم بها؛ فإيلاء الإهتمام بما يقوله المتحدث يتيح الفرصة للتفكير قبل الرد، مما يقلل من نسبة الفهم الخاطئ لما يقال فتكون النتائج أقرب إلى الإجابية منها الى السلبية ويصبح تلافي الخطأ والتغلب عليه أقرب إلى الواقع تمكينًا وسهولة في قادم الأيام.
علينا أن تكون قراءتنا للآخر إيجابية وأن لا نحمله مالا يحتمل دون تأكدنا من نواياه الشخصية وذلك بسؤاله عن تلك المقاصد دون أن نتخذ سلفًا قرارًا جازمًا مبنيا على أن المتحدث يحمل بداخله سوء نية. هذا القرار قادر بحد ذاته على قلب الواقع رأسًا على عقب فيحدث مالا نتمنى عقباه.
دعونا نتفق على أن نختلف، فالإختلاف في حد ذاته أمر لا يدعونا للخلاف. فمن سنن الكياسة وآداب الخلق أن تكون لدينا القدرة على تقبل آراء الآخرين وإن كانت في جوهرها مختلفة عن قناعاتنا وما يجول بخواطرنا. أما عندما يكون لدينا قرار بالرد فيجب أن لا تكون ردودنا آنية، خاصة عندما نكون في حالة غضب. تأجيل الرد إلى وقت لاحق سوف يقلل من فرص الندم على كتابة أو قول شيئ في حينه.
اعترافنا بالخطأ إن كنا مخطئين نادرًا ما يكون سهلاً، فمسامحة شخص اعتاد الإضرار بنا هو تحديا للإرادة الذاتية الفطرية وقناعتها بأن المرء عادة يحصد ما يزرع. أيضا، مسامحة أنفسنا في سوء فهمنا للآخر قد يستغرق وقتاً طويلاً، خاصة إذا لم نمتلك ثقافة التسامح ولم نتعود عليها منذ الصغر. نحن جميعاً مدعوون أن نعترف لأنفسنا قبل الآخرين بأننا لسنا ملائكة ولا معصومون، والإعتذار وطلب المغفرة هي واحدة من أنجع الطرق التي تؤدي في الأخير لشفاء أنفسنا من الضغائن التي قد تودي في النهاية بتدميرنا قبل أن تدمر خصومنا.
أخيراً علينا أن لا نستسلم لأنفسنا.. قليل منا من يتقن مهارات التواصل والإتصال من محاولاته الأولى؛ لذلك علينا أن نُطَوع أنفسنا على أن تكون كلماتنا منتقاة ومختارة بعناية فائقة قبل كتابتها أو التلفظ بها. وقبل كل شيئ دعونا نتذكر بأن نحب بَعضنا بعضا، لأنه بالحب فقط يمكننا أن نمتلك قلوب الآخرين. دمتم سالمين.