آخر تحديث: 30 / 4 / 2025م - 12:54 ص

ترسيخ مبدأ النجاح للجميع

ياسين آل خليل

العادات والتقاليد والموروثات الثقافية فرضت علينا نمطية في التفكير تتلخص في أنْ نجتهد ونحقق النجاح الذي رسمناه لأنفسنا وفي نفس الوقت أن نحجب ونخفي على غيرنا كلَّ الإضاءات التي قد تُمكِّنُهم من الوصولِ إلى ما وصلنا إليه، سواء كان ذلك على المستوى الفردي أو الأسريّ أو حتى المؤسساتي. السَّواد الأعظم من الناس ينهجون بهذا النهج ويطبقونه بإصرار وترصد ودون حرج حتى يتميزوا دون غيرهم ويرتقوا سلالمَ النجاح والإرتقاء بهدوء وتحت جنح الظلام. قد يقول البعضُ وما العيب في ذلك! أليست هذه سنة حياة عاشت عليها أممٌ من قبلنا إلى يومنا هذا؟ وها نحن على آثارهم مقتدون.

اليوم أثبتتْ الدراساتُ أنَّ ذلك النَّهج ليس نهجاً ناجعاً بأثرِه الجمعيّ، وأنَّه إذا لم يتم تعميم ذلك النَّجاح وبمواصفات علميَّة مدروسة؛ فإنَّ النتائجَ النهائيَّةَ ستكونُ متدنية بالمفهوم الإقتصادي الأكاديمي، واليكن مفهومًا أنَّ تلك الجدوى لم تعد صالحةً ولا ملائمةً لعصر باتت فيه التكتلاتُ ودمجُ الطاقات وتبادلُ المعلومات وإعادةُ إنتاج النَّجاحات بشكل فرديٍّ وجماعي، هي سمةُ المجتمعات المتقدمة والناهضة.

الناس بطبيعتهم ليسوا نسخاً متشابهةً في القُدرات والإمكانيات، فهناك فوارقُ خَلْقيَّة وفوارقُ بيئية تُهيئ الفرصة لأناس دون غيرهم بأن يكونوا في موقع النجاح، أما إذا كانتْ الفروقاتُ الفرديَّة مرادفةً لما سبق ذكره فإن النجاح يتحول بدون منازع إلى أمر محتوم. هذا يأخذُنا إلى أن نتساءلَ أين هو نصيب تلك الشرائح من المجتمع والتي تقع خارج نطاق التَّغطية التي أسلفتْ ذكرها؟ الإجابةُ بالطبع لا تحتاج إلى توضيح وتشريح لأنَّنا نعيشُها في كل زاوية من زوايا حياتنا اليومية. النَّتيجةُ إن لم تكن الفشل فشيئًا قريبًا منه، وللأسف نقف نحن كمثقفون وكتاب رأي والأغلبيَّة من حولنا وصنَّاع التأثير موقف المُتفرج من القضية وكأنَّها من اختصاص رجل لم تطأ رجلُه سطحَ الأرض بعد، وعلى الجميع انتظار قدومه الميمون.

نعم، المجتمعاتُ تعايشت مع هذا الوضع سنين وربما قرون من الزمن، لكن هذا لا يجعل من ذلك السلوك الحياتي دستوراً إلهياً لا يمكن تطويعه أو تطويره لتعم بذلك المنفعة ولتصبَ في الهدف الأسمى، ألا وهو رفع نسبة النَّجاح الكليّ والتَّمَيُّز في المجتمع، أما إذا كُتِبَ لذلك الهدفُ أنْ يتحققَ بقدرة قادر فإنه بدوره سيدفع عجلةَ التَّطور إلى الأمام، لتسود المعرفة فترتقي الأمَّةَ إلى مراتبَ لم تشهدْها من قبل وذلك بفضل تقربنا من تطبيق استراتيجيَّة النجاح للجميع.

اليوم، أثبتَ العلم الحديث أنَّه بإمكاننا كسرُ تلك القيود التي وضعناها حول أيدينا وأرجلنا فكبَّلتنا لسنين طويلة، حتى اعتقد الناسُ بأنَّ هذا معيارٌ مقدَّسٌ لا يتأتَّى لأحد تغييرهُ أو تطويعه تحت أي ظرف من الظروف. الآن حانَ لنا أن ندركَ بأنَّ ذلك التفكير خاطئٌ في منهجيته؛ وذلك بناءً على ما لحقنا من تخلُّف وترد في جميع مناحي الحياة من ألفها ليائها. مع كل هذا يُصاب المرءُ بذهولٍ تام ليسألَ ويتساءل كيف تعايشت أمتُنا بهذه المنهجيَّة سنين عديدة دون أن تصابَ بامتعاض قد يحفِّزُها على التغيِّير؛ وعندما يحاول أحدهم الإجابة على هكذا سؤال فإنه يصطدم بألف باب موصد وباب، وقد لا يجد مفتاحاً يصلح لأن يفتح أي من تلك الأبواب، فيرجع ملوماً مدحورا...

أعزائي نحن بإمكانِنا إعادةُ إنتاج تلك النجاحات وبشكل أكبر وأعم، لكن ذلك يتطلب منا أن نتخلى عن أنانيتنا كأفراد ومؤسسات وأن نغيرَ تلك النظرة الموروثة بأن جميع ما نحققه من نجاحات هي ملك لنا دون غيرنا، وأنَّه لا يحق لأحد أن يخترقَ أيًّا من تلك الأبواب الموصدة والجُدر التي بنيناها من حولنا، حذر أنْ تنتقلَ بعضُ تلك المعلومات والإستراتيجيات التي أوصلتنا إلى ذلك النَّجاح للطرف الآخر فتُحدِثَ نجاحا لا نتمناه.

أما عن النظرةِ المُغايرة والخالية من الأنانية، فهي أنْ نعتبرَ أي نجاح نحققُه نحن أو شخص ما أو مؤسسة بعيدة عنا كانت أو قريبة، أو في أي بقعة من الأَرْض وأي زمن من الأزمنة هو حق طبيعي للجميع، وأنَّه من حق البشريَّة أجمع الإطلاعَ على مبادئ التَّوصل لذلك النجاح ليُعَمّمَ إنتاجُه وتستفيدَ الأغلبيَّةُ الساحقةُ من ذلك الإنجاز دون حرج أو منيّة.

فأنتَ عزيزي القارئ عندما تكون في موقعٍ متقدم يُؤهلك لأنْ تحققَ نجاحات هي من ضرب الخيال بالنسبة للآخر، هذا لا يجعلك تستوحد بها لنفسك دون مشاركة من حولك، وذلك من باب ترسيخ مبدأ النجاح للجميع. هذا من شأنه أن يوحِّد الجهود لنصل إلى الهدف الأشمل وهو نجاح الأمة.

السؤالُ المحيِّر هو: هل أننا سنتمكن من كبحِ أنانيتنا التي تنخرنا ليل نهار، وباتت تؤرِّق الكثير ممن ينتابه الخوفُ بأنه سيصحو ذات صباح ليجد أخًا له أو قريبًا أو صاحباً أو جارًا قد سبقه في جانب من جوانب الحياةِ وبات أقرب الى النجاح. أنا لا أتخيل كيف لإنسان بتلك الروح المريضة والعقلية المتخلفة أن يسديَ نصحاً أو يفشي بمعلومة للآخر وهو غارقٌ في أنانيته، ويحسب نجاح أي طرف آخر هو تراجع له ووبال ينسف كيانه وأحلامه!

سيدي وأنت يا سيدتي، أنتما عندما تحققان نجاحًا باهراً في بيئة يسودُها الجهلُ والحسدُ والأنانيَّة فلا شك هو نجاح ترفع له القبعةُ ويستحقُ التقديرَ والتشجيعَ إلا أنَّه بنظري هو نجاحٌ قاصرٌ ومحدودٌ وقد لا يرتقي لأنْ يطلق عليه نجاحا بالمفهوم العلمي الحديث للنجاح. النَّجاحُ الحقيقي هو ذلك النَّجاح الذي يأخذك إلى العالمية ويسمو بك إلى مراتبَ ومقامات ربما لا تخطرُ لك على بال.

نجاحُ الأنا، والذي لا يتعدى صاحبه بضعةَ أمتار هو نجاحٌ محدود المكان والزمان، وهذا النَّوعُ من النَّجاحات قلّ ما يُخَلّد ذكرَه بين النَّاس، خلافاً للنجاح الجمعي الذي تبقى آثاره جليَّة واضحةً كالنَّبع الذي لا ينضب، تغرفُ منه الأجيال ويبقى في قمة عطائه ما بقيتْ حياة. النجاح المغلف بالأنانية يُنسى بعد حين، أولا لأنه أحادي القطب، وثانياً لأن البيئةَ التي تُحيطه لا تسمحُ له بأنْ يتجذرَ ويتعمَّقَ وينتشر.

نحن اليوم بحاجة الى أن نقفز بأطروحة النَّجاح للجميع من مفهومها النظري إلى معامل البحث والتطبيق الفعلي. كما أن علينا أن نبذل جهوداً كبيرة لتغيير ذواتنا والتي هي الأخرى تحتاجُ إلى وقفةِ تأمل وعناية فائقة عسى أن ينصلحَ حالُها. لا أحد منا ينكر أو يتنكر بأن النجاح هو ديدن من يمتلك رؤية واضحة بعيون ثاقبة وقلب يتسع الكون وإيمان راسخ بأن الله ناصرٌ من ينصره، وأن الله مع الجماعة إن صلحت نواياهم. اليوم دخلت علينا قوانين لم نتعلمها في أبجديات الرياضات؛ لأن «1+1=2» لم تعد صحيحة في عالم يؤمن بأن للنجاح استراتيجيات ما أن فُعّلت حتى يتفاجأ الجميع بأن حاصل جمع تلك المعادلة الرياضية قد يصل أضعافاً مضاعفة للنتيجة التي ألفناها وتقبلتها عقولنا كل تلك السنين. كلنا جميعاً اعتقدنا خاطئين أننا بإمكاننا تطبيق تلك النظرية في الكثير من مفاصل حياتنا وتحقيق النجاحات المأمولة. فهل نحن سنركب عقولنا بمفاهيمها القديمة، أو أنه قد آن الأوان لنتحول ونتغير مع تغير الزمان ومعطياته؟