الإنتقال من التعليم الى التعلم
منذ العصور القديمة حتى وقت قريب كان مفهوم الهدف من التعليم هو جمع الناس على إدراك إنسانية الجنس البشري. وعلى مدى عمر الإنسان الزمني وهو يحاول تطوير ذلك المفهوم حسب احتياجاته الاجتماعية من تنمية الاقتصاد وخلق قوة عمل فاعلة وإعداد طلاب العلم للعمل. الهدف من كل ذلك الارتقاء بالنظام المجتمعي الى مستوى يكون فيه قادراً على تلبية حاجياته المواكبة للعصر الذي يعيشه ومتمشية مع تطلعاته المستقبلية.
اليوم الغرض من التعليم في منظور المجتمعات المتحضرة قد تغير من مفهوم إنتاج مجتمع متعلم الى مجتمع التعلم. لا أحد يمكنه أن يتغافل بأن ما تشهده البشرية من تقدم في جميع نواحي الحياة مرتبط بذلك الدور الكبير الذي يقوم به قطاع التعليم. كما أننا لا يمكننا أن نغمض عيوننا عن أن التعلم يسهم في تحقيق الذات وتوفير البيئة الصحية والتي تحقق لنا حياتاً أكثر متعة وراحة.
لكن أحدهم قد يتساءل: ماهو الفرق بين التعليم والتعلم؟ التعليم بكل بساطة هو عملية نقل المعرفة والمهارات والمواقف والقيم للفرد من خلال الوسائل التقليدية التي عشنا عليها وترعرعنا في كنفها. على العكس من ذلك، التعلم هو عملية بناء المعرفة والقيم والمهارات مما يجعله أكثر أهمية وديناميكية في مواكبة أحداث التطور المتسارع الذي يشهده العالم.
فالتعلم له فوائد جمه وهذه الفوائد ليست فردية فقط بل مجتمعية، فعلى سبيل المثال لا الحصر التعلم يخلق الثروة ويبني قدرة المجتمع على التكيف مع الصدمات الاقتصادية والتغيرات التكنولوجية، كما أنه يقلل من الجريمة ويخفض نفقات الرعاية الاجتماعية.
كلما أصبح العالم أكثر ترابطاً وتسارعت التطورات التكنولوجية والابتكارية وازدادت المنافسة على الإنتاجية النوعية كلما أخذ التعلم منحى الهجرة من كونه مجرد عاملا مهماً الى ذلك المتعدد المهام. نتيجة لذلك برزت أدبيات جديده في مضمار التعلم؛ ففي الوقت الذي كان فيه التعلم تنافسياً وقسرياً نشهد في الوقت الحالي أن التعلم خطى خطوات حثيثة نحو العالمية وصار يميل أكثر الى التعاونية منه الى الفردية والمحلية.
المتعلمين اليوم هم بحاجة أكثر إلى بعضهم البعض وإنهم لا يمكنهم العمل في جو منعزل عن العالم الآخر. كما أن المجتمعات تكونت لديها مساهمات وحدت المسؤولية وجعلتها تتداخل فيما بينها لتبلور تلك النواة ذات المواصفات العالمية التي تهيئ البيئة الخصبة والصالحة للاستثمار في مجتمع التعلم،
لا يمكن لمجتمع أن يحوز على مسمى ”مجتمع التعلم“ حتى يتمكن من بناء مؤسسات حديثة موازية ومواكبة لمتطلبات وتطلعات القرن الواحد والعشرين.
فمجتمع التعلم يحتضن ثقافة التعلم في جميع دوائر حياته لذلك تلحظه على استعداد لقهر التحديات وتجاوزها للوصول الى أهدافه. كما أن ذلك المجتمع يعتقد ويؤمن بأن التعلم هو للجميع فلا يسقط أحداً أو يتجاهله لأسباب عرقية أو أيديولوجية. فتراه يوفر البنى التحتية الشاملة والقادرة على موافاة الشروط والمتطلبات التي يحتاجها للنجاح في مهمته وفي جميع أقطار البلد الواحد حتى تتاح الفرصة للجميع بأن ينهضوا بتلك المؤسسات ويوصلوها الى العالمية فيتحقق مجتمع التعلم الذي ينشده الجميع.
مجتمع التعلم يؤسس لإنشاء مؤسسات ديدنها المساعدة في تطوير البنية التعليمية المحفزة على استدامة الإبداع والبحث العلمي، ولأن الطريق الى مجتمع التعلم مليئة بالتحديات تبقى الدعوة الى التدريب أمراً قائماً ومستمراً. هذه المسؤولية تقع بشكل متزايد على المهنيين أنفسهم لأنهم عصب الصناعة والتي تعتبر العمود الفقري وحجر الزاوية لاقتصاديات الدول.
لا أحد يتصور بأن مجتمع التعلم يتحقق بين عشية وضحاها وبجهد متواضع ويسير ودون تكاليف تذكر؛ بل هي عملية معقدة تتطلب جهودا كبيرة متواصلة جوهرها بناء البنية التعليمية المحفزة على الإبداع والإبتكار.
إن من أهم المهام في عملية الإنتقال الى مجتمع التعلم، وهي تلك العملية المتشابكة والحرجة في نفس الوقت، هو احتضان القطاعات العامة والخاصة تحت مظلة قادرة على تأسيس وخلق علاقات جديدة بين المتعلمين ومقدمي خدمات التعليم والممولين لتلك العملية المهمة؛ وهذا يتطلب قدراً كبيراً من التدابير والدراسات القابلة للتنفيذ والتي تحدد مسارات العمل للإنتقال السليم من مجتمع التعليم إلى مجتمع التعلم.