آخر تحديث: 30 / 4 / 2025م - 12:54 ص

ملفات آن لها أن تعالج

ياسين آل خليل

لمجرد انتشار خبر بأن هناك تعدّ على مواطنين سواء كانوا مدنيين أو رجال أمن حتى ترتفع الأصوات عاليا منددة بذلك العمل؛ وهذا أمر طبيعي ومتوقع لأن هذا الوطن هو كالجسد الواحد ينتابه الألم ما أن يستهدف عضواً منه بسوء. ولأن ما ينتابنا من استهداف إرهابي هو استهداف للوطن بأكمله بات من الأهمية بمكان أن نفتح ذلك الملف لنتعرف على مسبباته حتى تتم معالجته من منبعه، لا أن تكون المعالجة للعوارض الجانبية أو ما يبرز منها على السطح.

من الواضح للعيان أن ملفا كملف الإرهاب هو ليس وليد الصدفة، بل نشأ في رحم تلك البيئة الحاضنة وتوفرت له كل مقومات العيش فترعرع وكبر واشتد عوده حتى ما أن شعر بأن له جسدا قويا يمكنه من أن تكون له مكانة أكبر على الصعيد المحلي والإقليمي حتى بدى يكشر عن أنيابه.

من أهم العوامل التي ساعدت ذلك الغول أن يتغلغل وينمو هو البطالة وتردي الدخل العام للمواطن والتطرف الفكري.

الكل منا يعي حقيقة أن البشر ليسوا مسيرين، أو أنهم مسلوبي الإرادة من قبل قوة مجهولة، بل يتحركون وفق قناعاتهم وإراداتهم. وتلك القناعات أيضاً لم يتوصل لها أصحابها بين ليلة وضحاها بل أخذت الكثير من الوقت. فتعدد الوسائط الإعلامية سهل دون شك إيصال المعلومة بما تحمله من خيرها وشرها الى كل من يمتلك جهاز استقبال ذكي حتى وإن كان ذلك الفرد لا يميز بين الصالح والطالح لا لغباء قد تمكن منه وإنما نتيجة لسقوطه كضحية في أيدي مفكرين أبو للنور أن يخترق أنفاقهم، فعاثوا في عقول تلك الأفراد فساداً حتى باتوا كالدمى يحركونها كيف ومتى شاؤوا.

اليوم لا يمكننا أن نداوي تلك الجراحات بالتي «كانت هي الداء» فالكثير للأسف من أولائك الظلاميين مازالوا في مواقع التأثير وبات التفكير في وضع استراتيجيات من الحلول لذلك الملف لا تحتمل التأويل أو التأجيل.

إن من يعتقد أن هذا الملف هو ملفا أمنيا بحتا لا شك انه لا يرى من الصورة الا الجزء اليسير. الجهات الأمنية تقوم بدورها وتدفع أثمانا باهظة وكبيرة أجلها تلك الأرواح التي تلقى مصيرها حفاظا على أمن الوطن والمواطن.

ملف الإرهاب هو ملف يتأثر بملفات أخرى هي في الواقع تحمل نفس الخطورة أو أشد وإن التباطئ في حلها يشعل هذا الملف ويجعل من حله أمراً مستعصيا.

البطالة هي إحدى تلك الملفات والتي يعاني منها مجتمعنا ولم يتمكن حتى الان من وضع الحلول الناجعة لها. كما أنها تعتبر من اكثر الملفات حساسية والتي استغلها اصحاب الفكر الأسود كسوق مفتوحة لاستقطاب الشباب إلى مناحل سمومهم. وما نلحظه اليوم من تفشي ظاهرة السرقة والتي باتت تنهش في مجتمعنا إلا أحد تلك الآثار الجانبية التي أوجدتها البطالة وأصبحت هي الآخرى عبئا على الدولة والمجتمع.

أما السواد الأعظم من الطبقة العاملة من الشباب فيعانون من قلة رواتبهم والتي لا تكفي لتغطية أساسيات الحياة الكريمة للإنسان من سكن ومأكل ولبس. أما الترفيه والكماليات فأصبحت من الترف الذي لا تنعم به إلا طبقة الأغنياء لأن الطبقة الوسطى هي الأخرى قد تآكلت ولم يعد لها وجودا يذكر. وهذا عامل آخر قد يستغله المتطرفون لاستقطاب شبابنا وإلحاقهم بخلاياهم السرطانية، وهذا أمر يجب الالتفات اليه وأعطائه الكثير من الاهمية ووضع الحلول المناسبة له دون تأخير.

الملف الاخر هو الملف التعليمي والإعلامي وما له من أهمية قصوى في بلورة الفكر المعتدل لجميع شرائح المجتمع وحثهم على نبذ التطرف والتعصب ونشر ثقافة الحب والتآخي بين أفراد المجتمع الواحد وتنقية البيئة التعليمية والإعلامية من جميع ما يمكن أن يفسد أو يعرقل حركة البناء التي تنشدها الدولة. ذلك البناء المنشود لا يمكنه أن يرى النوار إلا من خلال سواعد وعقول أبناء الوطن بمجملهم دون استثناء أو تمييز أو تقيليل من أهمية أحد. فتشابك الأيدي وتظافر الجهود عوامل أساسية تساعد الوطن أن يلتحق بركب الدول المتقدمة ويرتفع صوته وصيته عالياً.

إن تفعيل تلك الملفات ووضع الحلول لها سيخلق بيئة صحية خالية من كل ما يمكنه أن يشجع على التطرف بكل أنواعه. بيئة شعارها العدالة الاجتماعية للجميع واحترام حقوق المواطن في العيش الكريم. بيئة يفخر فيها المواطن بأنه ينتمي إليها بل يفديها بالغالي والنفيس، لا أن يشعر بالغربة لأن الوطن لم يتمكن من تلبية حاجياته. فلا شيئ يعادل الوطن عندما يكون الوطن كالأم يحتضن أبناءه ويجعلهم في المرتبة الأولى بعد الخالق، يخاف عليهم ويوفر لهم مقومات العيش الكريم حتى يقوموا هم أيضاً بدورهم الفاعل تجاه الوطن فيرتقوا به مثلما ارتقى بهم، ويخافوا عليه ويحموه من كل معتد آثم.