قائمة من الأمنيات ليس إلا
في هذا الوقت من كل عام تكون بنود الميزانية العامة للعام القادم قد اكتملت وتم رصدها ولم يتبقى إلا الموافقة السامية عليها لتخرج للعلن كخطط تشغيلية تستنير بضوئها مختلف مؤسسات الدولة كبنود أعمال وخدمات تستهدف رفاهية المواطن وتطوره.
التخطيط للتخطيط أمر في غاية الأهمية لأن «من يفشل في التخطيط يخطط للفشل» بل وأبعد من ذلك، لأن التخطيط يعد احد أهم المهام الرئيسة للإدارة الصحيحة، والعمل في غياب التخطيط يتحول الى عبثية تبدد الطاقات ولا تضيف الى الموارد الإقتصادية أي شيئ ذو قيمة ملموسة، بل على النقيض من ذلك لأنها تتحول الى عامل هدم وتآكل لممتلكات تلك المؤسسة بدلاً من أن تزيد من قيمتها الإسمية وترتقي بمنتجاتها وخدماتها وأيضاً من ربحيتها.
يوجد أربعة أنواع رئيسة من التخطيط وكل منها لا تقل أهمية عن الآخرى، كما أنها مترابطة ومتشابكة مع بعضها البعض مما يساعد في الوصول الى الاهداف العليا الساميه التي تصبو إليها المؤسسة الأم الا وهي الدولة.
تلك الأقسام الأربعة من التخطيط تتضمن التخطيط الاستراتيجي، التخطيط التكتيكي، التخطيط التشغيلي والتخطيط للطوارئ. كما أنه لا يمكننا بأي حال العمل بواحدة دون إشراك وتفعيل لبقية الخطط حتى نصل الى مبتغانا؛ لأن كل خطة تساعد الأخرى في بناء الأرضية القوية والمناسبة للانطلاق والتقدم في تحقيق ما تحويه من اهداف.
الخطط التشغيلية هي من الأهمية بمكان ما يجعل الوصول الى تحقيق وإنجاز تلك الخطط التكتيكية أمراً واقعياً وقابلاً للتطبيق، كما أنه في حال فشل أي من تلك الخطط تبدأ المؤسسة بتفعيل خطة الطواريء لانتشال وإنقاذ مايمكن إنقاذه حتى لا تتعرض تلك المؤسسة الى الإنهيار والإفلاس لا سمح الله.
التخطيط الاستراتيجي هو ذلك التخطيط الذي تهدف إليه المؤسسة الأم في المنظور البعيد، وعادة ما ترسم الخطوط العريضة لبقية المؤسسات التي تندرج تحت تلك المؤسسة الأم وتساعدها في بلورة خططها التشغيلية، كما أنه كثيرا ما ينظر للتخطيط الاستراتيجي على أنه العمود الفقري الذي يقوّم ويؤسس لبقية الخطط لتحقيق النمو والارتقاء بالإنتاجية والربحية وتحسين الخدمات على المستوى الفردي والمجتمعي والمؤسساتي.
يندرج تحت مظلة التخطيط الاستراتيجي أربعة أنواع من التخطيط أولها ما يطلق عليه «خطة العمل الموحدة» أو كما تسمى بالخطة الخمسية، وهذه الخطة تشمل النظرة العامة المستقبلية لما يراه القاده والخبراء كرؤية مستقبلية لتلك المؤسسة للسنوات الخمس أو العشر القادمة. أما النوع الثاني فهي «خطة الجدوى» وهذه الخطة تفيدنا فيما إذا كان قرارنا في اختيار أي استراتيجية ما في العمل تستحق المتابعة أم لا. النوع الثالث هو التخطيط الداخلي أو «الخطة التشغيلية» وعادة ما تكون لعام واحد وتشمل التخطيط لجميع الأعمال المراد القيام بها ومواعيد تنفيذها والموارد الطبيعية والبشرية والخدمات المساندة المطلوبة للقيام بتلك الأعمال. أما النوع الرابع والأخير فهو «التخطيط للنمو والتوسع» وهذا يشمل التفكير في مشاريع جديدة قادرة على مواجهة تحديات الحاضر والمستقبل من خلال تفعيل التخطيط الاستراتيجي واتباع الخطوات اللازمة لرسم الاتجاه الصائب الذي يحقق أكبر منفعة بأقل التكاليف والإمكانيات.
في المقابل التخطيط التكتيكي يعمل لمساعدة التخطيط الاستراتيجي من خلال بلورة خطط تعني بمسوؤليات وعمل الإدارات التي تتفرع تحت هيكليتها التنظيمية ويكون هدفها تحقيق أجزاء من الخطوط العريضة التي سبق إدراجها في الخطة الإستراتيجية.
في الجانب الآخر يتقدم مدراء الدوائر الدنيا في الهيكل التنظيمي بخططهم التشغيلية والتي عادة ما تكون أكثر تفصيلا وتحديدا للأعمال والإجراءات المراد تنفيذها في تلك الخطط وعادة ما يكون هناك إطاراً زمنياً محدداً لتنفيذ كل عمل أو إجراء، بالإضافة الى ما يرصد له من أموال قد جرى تقديرها من قبل مهندسين متخصصين وأصحاب خبرات في هذا المضمار محتسبين أن تكون النتائج متماشية مع الخطط دون حصول تعثر هنا أو تباطئ هناك بسبب سوء في التخطيط والرصد قد يحصل نتيجة لعجز أو سوء تثمين في التقييمات والتقديرات.
مهما تكن الخطط مدروسه ومحضرة بعناية وحرفية إلا أنها كثيرا ما تنحرف عن الواقع والذي ما يكون في الغالب نتيجة لببيئة متقلبة ومتغيرة وظروف قهرية تُخرج المخطط عن دائرة نطاق التحكم والرصد مما يدعوا أرباب الأعمال للتحوط ووضع خطط بديله عادة ما يدرجونها تحت مسمى «خطة الطوارئ». هذه الخطة تسمح بتوفير مسار بديل من العمل عند فشل الخطة الاصلية وتمكن صاحب العمل من التوصل الى نتائج مرضية.
عندما يؤسس لهكذا خطط أن تأخذ موقعها من التفعيل من قبل أيد محترفة وأمينه، وبعيدة كل البعد عن النفعية الخاصة فإنه من دون شك ستترجم كل تلك الجهود إلى نجاحات تصيب كل من تصببت جباههم عرقاً واسمرّت سواعدهم حرقا، والذين سهروا وخططوا لذلك اليوم الذي يروا فيه ما أبدعته عقولهم من التخطيط السليم حلماً يتحقق على الأرض وإنجازاً معاشاً بكل ما تعنيه الكلمة من معنى.
أما عن تلك الخطط التي أخذت الكثير من الوقت والجهد والمال حتى أصبحت قابلة للتنفيذ فهي دون ريب أو شك عهود مقدسة لا ينبغي لأحد التراجع عن تنفيذ ماورد فيها من بنود، أو حتى إنجاز البعض مما احتوته دون غيرها وبجودة متدنية وفي غياب الرقيب والحسيب. لأن كل ذلك سيكون بمثابة من ينتقص من قيمة تلك الخطط ويهمشها ويجعلها مجرد «قائمة من الأمنيات ليس إلا».