آخر تحديث: 21 / 9 / 2025م - 1:17 ص

القيادة المدرسية الحكومية بين الانحراف الإداري والعجز المهني

قراءة نقدية في واقع الإدارة التربوية

الدكتور هاني آل غزوي *

تُعد القيادة المدرسية في المؤسسات الحكومية حجر الزاوية في بناء بيئة تعليمية فعالة، وهي تمثل التطبيق العملي للسياسات التعليمية الوطنية. ومع ذلك، فإن الممارسة الميدانية تكشف عن تحديات جوهرية في القيادة المدرسية، أبرزها الانحراف الإداري والعجز المهني، مما يُضعف من فاعلية المدرسة ويُهدد رسالتها التربوية. هذه الدراسة تسعى إلى تحليل هذه الظواهر، وتقديم رؤية إصلاحية مبنية على أسس علمية ومهنية.

أولًا: ملامح الأزمة القيادية في المدارس الحكومية

الانحراف الإداري: السلطة حين تُستخدم خارج إطارها التربوي:

الانحراف الإداري لا يقتصر على الفساد المالي، بل يشمل سوء استخدام السلطة، وتضارب المصالح، وغياب العدالة في توزيع المهام والفرص. في بعض المدارس، تتحول القيادة إلى ممارسة سلطوية تُقصي الكفاءات، وتُكافئ الولاءات، وتُهمّش الأصوات المهنية الناقدة، مما يُنتج بيئة مدرسية غير آمنة تُكرّس الصمت المهني وتُضعف من روح المبادرة.

العجز المهني: غياب التأهيل وضعف الرؤية التربوية:

القيادة المدرسية الفاعلة تتطلب مهارات متعددة تشمل التخطيط الاستراتيجي، إدارة فرق العمل، فهم السيكولوجيا المدرسية، والتعامل مع الأزمات. غير أن كثيرًا من القيادات يتم تعيينها بناءً على الأقدمية أو العلاقات الشخصية، دون المرور بمسارات تأهيل حقيقية. هذا العجز يُنتج قرارات ارتجالية، ويُضعف من قدرة المدرسة على التطوير، ويُكرّس الجمود الإداري.

البيئة التنظيمية الطاردة للكفاءات:

في ظل غياب الحوكمة المدرسية، وتهميش المجالس المدرسية، وغياب الرقابة المجتمعية، تتحول المدرسة إلى بيئة تُكافئ الولاء على حساب الأداء، وتُهمّش المبادرات الفردية، ويُقابل الإبداع بالتجاهل أو المقاومة. هذا المناخ يُضعف من جودة التعليم، ويُكرّس ثقافة التراجع بدلًا من التقدم.

ثانيًا: زاوية الفساد المالي في التعيين والاختيار

من أخطر مظاهر الانحراف الإداري في المدارس الحكومية ما يتعلق بالفساد المالي، وتحديدًا الرشوة في التعيين والترقية. هذه الممارسة تُقوّض مبدأ تكافؤ الفرص، وتُنتج قيادات غير مؤهلة تُعيَّن بناءً على المصالح لا الكفاءة.

كما تُنتج سلسلة من الآثار السلبية:

- تهميش الكفاءات الحقيقية

- انعدام الثقة داخل المدرسة

- إعادة إنتاج الفساد داخل المؤسسة

الرشوة في التعيين لا تُعد فقط مخالفة قانونية، بل هي انحراف تربوي يُهدد جوهر العملية التعليمية، ويُضعف من شرعية القيادة، ويُشوّه صورة المدرسة أمام المجتمع المحلي.

ثالثًا: آثار الأزمة القيادية على البيئة المدرسية

ضعف الانضباط المدرسي وتراجع التحصيل:

القيادة غير المؤهلة تُنتج بيئة غير منضبطة، يغيب فيها التوجيه، وتضعف فيها القدوة، مما يؤدي إلى تفشي السلوكيات السلبية، وتراجع مستويات التحصيل العلمي. الطالب يتأثر مباشرة بنمط القيادة، سواء من حيث الانضباط أو الدافعية أو التفاعل مع البيئة التعليمية.

تآكل الثقة بين المدرسة والمجتمع المحلي:

المدرسة الحكومية هي امتداد للدولة، وحينما تُدار بشكل غير نزيه أو غير مهني، فإن ذلك يُضعف من تعاون أولياء الأمور، ويُقلل من دعم المجتمع المحلي، ويُؤثر على صورة المدرسة كمؤسسة تربوية جديرة بالاحترام.

انخفاض دافعية المعلمين وتراجع الأداء المهني:

المعلم هو المحرك الأساسي للعملية التعليمية، وحينما يُهمّش، أو يُدار بأسلوب سلطوي، أو يُحرم من فرص التطوير، فإن ذلك ينعكس مباشرة على جودة التدريس، واستقرار البيئة الصفية.

رابعًا: مقترحات إصلاحية

- إصلاح آليات التعيين

اعتماد معايير مهنية واضحة، وربط الترقية بالأداء لا بالأقدمية، وتفعيل لجان مستقلة للتقييم.

- تفعيل الحوكمة المدرسية

إشراك المجتمع المحلي في الرقابة والتقييم، وتعزيز الشفافية، وتفعيل المجالس المدرسية.

- بناء ثقافة تشاركية

إشراك المعلمين والطلاب في صنع القرار، وتحفيز المبادرات، وتكريس ثقافة الحوار والتغذية الراجعة.

- ربط الأداء بالمؤشرات التربوية

تقييم القائد بناءً على رضا المعلمين، تحصيل الطلاب، جودة البرامج التعليمية، ومستوى الانضباط المدرسي.

إن إصلاح القيادة المدرسية في المؤسسات الحكومية لا يُعد ترفًا إداريًا، بل هو ضرورة تربوية ووطنية. فالقائد المدرسي هو من يُشكّل المناخ التعليمي، ويُوجّه السياسات التربوية نحو التطبيق الفعلي، ويُجسّد القيم التعليمية في الممارسة اليومية. ومن هنا، فإن بناء قيادة مدرسية رشيدة، نزيهة، ومؤهلة، هو المدخل الحقيقي لإصلاح التعليم، وتحقيق التنمية المستدامة. إن مستقبل المدرسة يبدأ من قائدها، وإن إصلاح القيادة هو الخطوة الأولى نحو استعادة الثقة، وتحقيق الجودة، وبناء جيل قادر على صناعة التغيير.

المراجع

- العساف، ص. ب. ح. «2010». القيادة التربوية: مفاهيم ونظريات وتطبيقات. الرياض: مكتبة العبيكان.

- الزهراني، ع. ب. م. «2018». واقع القيادة المدرسية في المدارس الحكومية السعودية في ضوء مبادئ الحوكمة. مجلة جامعة الملك سعود للعلوم التربوية، 30 «2»، 115-142.

- الشمري، ف. ب. ع. «2019». الفساد الإداري في المؤسسات التعليمية: دراسة تحليلية لأسبابه وآثاره. المجلة العربية للإدارة، 39 «1»، 55-78.

- الخليفي، م. ب. ع. «2020». التحديات الإدارية التي تواجه القيادات المدرسية في المدارس الحكومية. مجلة دراسات تربوية، 28 «4»، 203-225.

- الحربي، ن. ب. ع. «2021». أثر ضعف الكفاءة القيادية على الأداء المدرسي في التعليم العام. مجلة التربية المعاصرة، 45 «3»، 89-106.

- وزارة التعليم السعودية. «2022». دليل الحوكمة المدرسية. الرياض: الإدارة العامة للتطوير الإداري.