آخر تحديث: 21 / 9 / 2025م - 1:17 ص

وجعل بينكم مودة ورحمة

حكيمة آل نصيف

تتجلى العلاقة الزوجية بوصفها عقداً إنسانياً وأخلاقياً يتجاوز الأبعاد المادية والتنظيمية نحو أفقٍ أسمى من التراحم والتكامل، فهو بناءٌ مشترك تتقاسم فيه الأرواح مسؤولية العيش، ويُصاغ على أسس المودّة والرحمة كما عبّر عنها القرآن الكريم في قوله تعالى: ﴿ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة

حين نقترب من فهم المسؤولية بين الزوجين في هذا السياق نُدرك أنها ليست حالة من التنافس على الحقوق أو منازعة على الامتيازات، وإنما هي حالة من التوازن الدقيق يتكامل فيه دور كل طرف مع الآخر، فالرجل والمرأة ليسا نسختين متطابقتين بل كيانان متمايزان خُلُقيًا ووظيفيًا.

إن توزيع المسؤوليات في الحياة الزوجية ليس تقسيماً تعسفياً للمهام، بل هو تنظيم ينبثق من معرفة دقيقة بطبيعة كل من الطرفين واستجابة لحاجاتهما النفسية والعملية، وتأكيد على مبدأ الشراكة العادلة لا الهيمنة المتبادلة، فحين يؤدي كل طرف دوره برغبة ورضى لا يشعر بالانتقاص بل بالاكتمال.

من أبهى النماذج التي تجسّد هذا المعنى ما نجده في بيت الإمام علي بن أبي طالب والسيدة فاطمة الزهراء ، حيث نلحظ كيف تترجم المبادئ النظرية إلى سلوك يومي في حياة الأسرة، فلم يكن الإمام علي يتعالى على مهام المنزل ولم تكن الزهراء تأنف من القيام بأعماله، بل اتفقا على تقسيم المسؤوليات بطريقة عادلة ومتكاملة، فالسيدة فاطمة تتولى شؤون الداخل والإمام علي يتكفّل بما يتعلّق بالخارج من توفير مستلزمات البيت المطمئن ماديا، لكنّ هذا التوزيع لم يكن قيداً ولا فرضاً بل انعكاسًا لحالة من الانسجام العميق المبني على الحب والتقدير المتبادل.

وتتبيّن لنا أهمية أن نفرّق بين التشابه والتكامل، فالتشابه يفترض أن يؤدي كل من الزوجين نفس المهام بنفس الكيفية وهو أمر قد يُفضي إلى الإرهاق النفسي والتضاد الوظيفي، أما التكامل فهو وعيٌ بالدور واعتراف بقدرات الآخر، وتوزيع عادل للمسؤوليات بحسب طبيعة كلٍّ منهما لا بحسب معيار خارجي مفروض.

وهذا لا يعني أن الزوجة لا يمكنها أن تعمل خارج البيت أو أن الزوج لا يُسهم في مهام البيت، بل إن المرونة في تقاسم المسؤوليات تبقى مرهونة بالظروف ما دام الأساس هو الاتفاق والرضا لا القهر والإكراه.

الأسرة مؤسّسة إنسانية وروحية وتربوية، ومن هذا المنطلق فإن العلاقة بين الزوجين ليست فقط أساسًا لاستقرار المجتمع بل هي أرض خصبة لتنشئة الأجيال على قيم الاحترام والمسؤولية والحب، ولذلك فإنّ غياب التكامل أو تحوّل العلاقة الزوجية إلى ساحة صراع على الحقوق لا يُنتج أسرةً متماسكة بل بيتًا هشًّا تنهشه الأنانية ويعصف به التوتر، أما حين يسود التفاهم ويحتكم الزوجان إلى الرحمة بدل الغلبة.

التكامل بين الزوجين ليس حالة مثالية بعيدة المنال بل هو خيارٌ واقعي يبدأ بالإرادة والوعي، ويُبنى على قواعد متينة من التفاهم والاحترام.