آخر تحديث: 21 / 9 / 2025م - 9:03 ص

حكاية خسوف القمر في القطيف.. كيف واجه الأجداد الظاهرة بالضجيج والأواني النحاسية؟

جهات الإخبارية نوال الجارودي - القطيف

قبل أن تكشف علوم الفلك الحديثة عن أسرار الكون، نسج أهالي الساحل في محافظة القطيف حول ظاهرة خسوف القمر حكاية فريدة، حيث ساد اعتقاد متوارث بأن كائناً أسطورياً عظيماً يُدعى ”الحوتة“ يخرج من أعماق البحر ليبتلع القمر في جوفه، مسبباً غيابه التدريجي عن سماء الليل.

وأفادت الروايات المتناقلة عبر الأجيال أنه مع بدء نور القمر في الخفوت، كان السكان يخرجون بشكل جماعي إلى الأزقة والساحات، حاملين معهم الأواني النحاسية وكل ما يمكن أن يُصدر صوتاً، ليبدأوا في الطرق عليها وإثارة ضجيج مدوٍ.

وترسخ في وجدانهم أن هذه الأصوات الصاخبة والمرعبة كفيلة بإخافة ”الحوتة“ وإجبارها على لفظ القمر من فمها، ليعود نوره الفضي ويُشرق من جديد في كبد السماء.

وكانت النساء وقت حدوث ظاهرة الخسوف يضع الملح الخشن في الهاون وهو إناء نحاسي ويقمن بالضرب فيه حتى يصدر أصوات رنينٍ قوية وهن يرددن "يا حوتة المشؤمة ردي قمرنا وأرميه في البرية"، وذكرت الروايات القديمة أن الناس إذا شاهدوا القمر وقد صار لونه أحمر فإنهم يقولون إن الحوتة أخذته لبحر الدم وإذا صار لونه أسود فإنها أخذته لبحر الظلمات.

ولطالما ارتبطت تلك الليالي التي يختفي فيها القمر بهالة من الرهبة والجلال، حيث كان الناس يفضلون إغلاق أبواب منازلهم في وقت مبكر، بينما كان الأطفال يبحثون عن الأمان بالالتصاق بأمهاتهم، في حالة من الترقب والقلق، انتظاراً للحظة التي يُهزم فيها الكائن الأسطوري وتنجلي الظلمة بعودة البدر المنير من بين أنياب الأسطورة.

ورغم أن العلم قد حسم الأمر اليوم، موضحاً أن الخسوف ليس إلا ظاهرة فلكية طبيعية تحدث حينما يقع كوكب الأرض بين الشمس والقمر ليحجب ضوءها عنه، لا تزال عبارة ”الحوتة أكلت القمر“ حية في الذاكرة الشعبية، لتقف كشاهد على قوة الخيال الإنساني في تفسير المجهول، ورمز ثقافي عميق يعكس العلاقة الأصيلة والراسخة بين السماء والبحر في وجدان أهالي القطيف.