آخر تحديث: 21 / 9 / 2025م - 1:17 ص

حكاية خبير السيارات بالفطرة

باسم آل خزعل

بعض الناس لا يسمعون صوت المحرك بل يسمعون نبضه. ليس كل من يحب السيارات يُسمّى خبيرًا، لكن هناك من يولد والسيارة جزء من تكوينه، يسري هديرها في عروقه كما يسري الدم. هذا تمامًا ما يفعله ”أبو عبد الرزاق“، خريج جامعة مرموقة بمرتبة شرف، لكنه اختار أن تكون حياته مع الحديد والزيت والمحركات، لا إلى الأوراق والشهادات. وبالنسبة له، السيارة ليست وسيلة نقل، بل كائن حيّ يتنفس، يبوح بأسراره لمن يجيد الإصغاء.

منذ طفولته، لم يكن كالأطفال الآخرين. لم يكتفِ بمطاردة سيارات اللعب، بل كان يسأل: ”ما الفرق بين هذا المحرك وذاك؟“ يقلّب مجلات السيارات وكأنها كتب مقدّسة، ويقف طويلًا أمام المركبات في الشوارع، يقرأ خطوطها كما يقرأ رسّامٌ لوحةً زيتية.

اليوم، يكفي أن تجلس بجانبه في السيارة ليشخّص العلّة قبل أن تُكمل دورانها الثانية. يسمع أنين المحرك فيترجمه إلى تشخيص، ينظر إلى الهيكل فيكشف العيب الخفي، يلمح الطلاء فيعرف إن كان أصليًّا أو قد أعيد طلاءه. وقد يُشيح بوجهه عن الطريق ثم يشير بيده إلى مركبة مرّت خلفه قائلًا بثقة:

"هذا الموديل مرشوشة رفارفه، ويعرف عدد سلندرات المحرك والقوة الحصانية كما يخبرك بنوعية تلقيم الوقود مباشرة ويخبرك بنوعية الوقود المستخدم أوكتان 91 أو 95، كل ذلك من سماع صوت المحرك!

حتى الإطارات يعرفها كما يعرف أسماء أصدقائه. لكل طريق مركبته وإطاره المناسب، ومن صوت دورانها يقدّر كم تبقَّى من عمرها. أما الفنيون في الورش فيصابون بالدهشة كلما اكتشفوا أن ملاحظاته العابرة سبقت نتائج الفحص الإلكتروني الدقيق. بالنسبة لهم هو جهاز تشخيص متنقّل، لكن قلبه ليس إلكترونيًا، بل نابض بالشغف.

من يعرفه يبتسم ساخرًا: ”لا تصطحبه معك إن كنت تخفي عيبًا في سيارتك، فلن يرحمك تحليله.“ لكن من يحبّه، يدرك أن هذا الشغف ليس للتفاخر، بل لأنه يعيش السيارات كما يعيش الناس. هي جزء من شخصيته، من ماضيه، ومن روحه.

وكان يردّد دائمًا:

”السيارة ما تكذب.. بس لازم تسمعها صح.“

أخيرًا!

حين يتحوّل الشغف إلى بصيرة، يولد خبير بالفطرة مثل ”أبي عبد الرزاق“، موسوعة تمشي على قدمين، تسمع الحديد فتفهمه، وتلمس المحرك فتدرك حاله. هو ليس ميكانيكيًا وحسب… بل عاشق متيم، وهؤلاء قلّ أن يجود الزمان بمثلهم. إنه مدهش بالفعل!

هل لديك شخص في حياتك يمتلك هذا الشغف؟ شاركنا حكايته…