الكيفية في تقدير العمل
﴿فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ، وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ﴾ [الزلزلة: 7-8]
المثقال ما يوزن به الأثقال، والذرّة ما يُرى في شعاع الشمس من الهباء، وتقال لصغار النمل.
تفريع على ما تقدم من آراء تهم أعمالهم، فيه تأكيد البيان في أنه لا يُستثنى من الآراء عمل خير أو شرّ، كبيرًا أو صغيرًا، حتى مثقال الذرّة محسوب. وبيان حال كل من عمل الخير والشر في جملة مستقلة لغرض إعطاء الضابط وضرب القاعدة.
ذكرت الآية الكريمة العمل، وهذا ما يهمنا في هذا الموضوع البسيط، وقد أحببت أن أتطرق إلى ظاهرة جميلة منتشرة في الكثير من المجتمعات المحلية، ولا سيما في منطقتنا الحبيبة وما يحيط بها. ولله الحمد، تنتشر في مناطقنا المساجد والحسينيات انتشارًا ملحوظًا، وهي جاذبة للكثير من الناس المؤمنين الذين يسعون ويبادرون إلى فعل الخير.
لحظة تأمل:
الآية الكريمة تقول: «من يعمل مثقال ذرّةٍ»، وكم هو مقياس هذه الذرّة الصغيرة مقارنة بمقياس العمل الذي سوف يُحاسب عليه الإنسان، ولو كان بمقياس ذرّة الغبار التي تطير في الهواء ونراها في أشعة الشمس تلمع كالعمل الطيب.
ما يهمنا في مضمون هذه الآية الكريمة هو توضيح طريقة العمل، لا نوع العمل خيرًا كان أم شرًّا. قد لا نلاحظ أو نُقدّر حجم العمل الذي نأتي به في طاعة من الطاعات لله عز وجل، وقد نراه جدًّا صغيرًا أو لا قيمة له، وهذا قد يُشعرنا بعدم الرغبة في القيام بهذا العمل. «مثقال ذرّة» مثقال هذه الذرّة الصغيرة له موازين مختلفة في يوم القيامة، يوم لا تغيب عن الله عز وجل صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها في كتاب. وهنا سوف نعرف أن صغائر الأعمال التي نستهين بها في الدنيا لها مقام كبير وعظيم في نقل الإنسان من درجة إلى درجة أخرى في الآخرة، ولو كان حجمها بحجم ذرّة الغبار.
«العمل الصالح يرفعه»، العمل الصالح الخالص لله عز وجل، ثوابه كبير وآثاره جميلة على الإنسان، فلا نجعل أحدًا يسبقنا لفعل الخير، ولنكن نحن السبّاقين فيه.
وسوف أضرب مثلاً بسيطًا قد يستفيد منه القارئ، وأتمنى أن أكون قد أوصلت الفكرة بطريقة واضحة.
نحن نصلي صلواتنا اليومية الخمس الواجبة، ويوجد فيها الكثير من المستحبّات، كصلاة الجماعة، والصلاة في الصف الأول، والصلاة خلف الإمام مباشرة. والمستحبّات في الصلاة كثيرة، من دعاء وتسبيح، وغيره وغيره. كل هذه المستحبّات أعمال لها أجر كبير جدًا عند الله عز وجل، وترفع الإنسان درجات في الآخرة. وهذا يوضح مثقال العمل الذي نقوم به، وإن كان صغيرًا بحجم ذرّة الغبار.
«خيرًا يره»، فالعمل مُثاب أو مُعاقب فاعله لا محالة.
وقد تطرقت إلى هذه النقطة لتكون واضحة للقارئ ومفهومةً لديه، فالعمل إذا كان خالصًا لوجه الله عز وجل وخاليًا من الرياء، فهذا هو العمل المحمود الذي يُثاب عليه صاحبه أفضل الثواب. وأما إذا كان العمل بقصد الرياء والعُجب بالذات، فهذا العمل يُردّ على صاحبه بلا ثواب ولا يُعاقب عليه.
فالثواب مشروط بنوع العمل والإخلاص فيه، وعليه فإن تقدير قيمة العمل متعيّن بالكيفية لا بالكمية، وقبوله مرتبط بالإخلاص وصدق النية.
وصلى الله على سيدنا محمد وآل بيته الطيبين الطاهرين.