آخر تحديث: 21 / 9 / 2025م - 1:17 ص

تجربتي الأفريقية

غسان علي بوخمسين

زرت جنوب أفريقيا مع العائلة آخر الإجازة المدرسية، في رحلة سياحية استغرقت حوالي أسبوعين. أود التنبيه على أن هدفي من المقال، هو تسجيل انطباعاتي وما لفت انتباهي من خلال مشاهداتي وملاحظاتي وآرائي الشخصية وتقديم بعض النصائح التي أجدها مفيدة للسائح والقارئ عمومًا. أرجو أن يجد القارئ في المقال الفائدة والمتعة. ويبقى هذا اجتهاد مني في محاولة لإحياء أدب الرحلات بقالب معاصر يناسب قارئ اليوم.

أردناها رحلة مختلفة هذه المرة، فاخترنا أحضان القارة السمراء، وجهةً جديدة بنكهة مغايرة، حيث تتجلى جنوب إفريقيا، أمة تنسج حكايات الإنسانية بعمق، مزيجٌ من الألم والأمل، الصراع والتضامن. هذه الأرض، التي وصفها روي كامبل بأنها ”جنة تتنهد تحت ثقل التاريخ“، تحتضن تراثاً غنياً وتاريخاً متشابكاً، حيث امتزجت أصوات السكان الأصليين بأصداء المستعمرين، فكانت ملحمة التنوع والتحدي. أفريقيا، القارة التي عانت الظلم والإقصاء عبر العصور، لم تكن يوماً ممراً رئيسياً للتجارة، ولم تُروَ قصص ممالكها وحضاراتها، باستثناء مصر القريبة من مركز العالم القديم. حتى جغرافيتها ظُلمت؛ فجنوب إفريقيا، المحاطة بمحيطي الهندي والأطلسي، لا يُذكر اسمها في تسمية المحيطات. بل إن خرائط ”إسقاط ميركاتور“ تُصغّر حجمها عن حقيقته، فتبدو أفريقيا أقلّ اتساعاً مما هي عليه، ولا تزال المطالبات بتصحيح هذا التحريف بلا جدوى.

لمحة عن جنوب أفريقيا

جنوب إفريقيا، أمة قوس القزح، وجهة سياحية تأسر الألباب بتنوعها الطبيعي والثقافي. تاريخها حافل بالتحديات، حيث عانت نظام الأبرتهايد العنصري حتى أسقطه نضال نيلسون مانديلا، الذي قال: ”الحرية لا تُمنح، بل تُنتزع“، ليفتح الباب لديمقراطية مزدهرة عام 1994. اقتصادها، من الأقوى بأفريقيا بناتج محلي حوالي 400 مليار دولار وأحد دول العشرين، يعتمد على التعدين، السياحة، والزراعة. عدد السكان حوالي 63 مليون نسمة، تضم 11 لغة رسمية، منها الإنجليزية، الزولو، والأفريكانية، وتعج بأعراق متنوعة كالبانتو والأفريكان وبمساحة تزيد عن 1.2 مليون كلم 2. اليوم، تجذب الزوار بجبل الطاولة الشامخ في كيب تاون، وسفاري كروغر حيث تجوب الأسود بحرية، وشواطئ المحيطين الهندي والأطلسي. مدنها، كجوهانسبرغ، تمزج الحداثة بتراث غني، مقدمة تجربة سياحية ملهمة تجمع المغامرة والثقافة.

ملاحظات ونصائح مهمة عن السفر إلى جنوب أفريقيا

وجهتنا الأساس في الرحلة كانت كيب تاون، تلك المدينة الشاطئية النابضة بالحياة وجبلها العتيد «جبل الطاولة» الذي يعد بحق أيقونة المدينة ومن أشهر وأجمل الوجهات فيها. الرحلة من دول الخليج إلى كيب تاون حوالي 9 ساعات طيران. لا حاجة لتأشيرة دخول للسعوديين، كانت إجراءات الدخول سلسة للغاية ولم تستغرق خمس دقائق. أقمنا في المدينة أسبوعًا بسبب قصر مدة الإقامة ووجود محطة أخرى في الرحلة، ولكنها تستحق بالفعل أكثر من ذلك «حوالي 10-12 يوماً للاستمتاع بالأنشطة المتنوعة في المدينة وخارجها». ملاحظاتي على البلد منذ لحظة وصولي، هو برودة الجو حيث أن الفصل هو الشتاء في هذه الفترة من السنة، ودرجة الحرارة تتراوح من 8-22 درجة مئوية، مما يجعلها وجهة ممتازة لمن يريد وجهة باردة في الصيف، كذلك لاحظت جودة البنية التحتية والتطور العام في البلد الذي يضاهي أوروبا وأمريكا، ومستوى النظافة الجيد والذي يمكن قياسه بسهولة من خلال ملاحظة حال دورات المياه في المناطق المزدحمة «وهو شأن مهم جداً لدينا». لاحظت كذلك ترحيب الشعب ولطفه عموماً، ولم تواجهنا أي مشكلة خلال إقامتنا ولم نلاحظ أي تصرف أو ممارسة غير مريحة «على الأقل في الأماكن السياحية التي زرتها»، كذلك لفتني الاحترام العام للمسلمين حيث تتوفر أماكن للصلاة في الأماكن السياحية الهامة. ورغم أن الجالية المسلمة قليلة جداً «حوالي 2% من السكان» إلا أني لاحظت وجودهم بوضوح. لاحظت كثافة السواح الخليجيين في المدينة، ويبدو أنها هبة هذه السنة للخليجيين. بالنسبة لمستوى الأمان جيد عموماً، مع وجود أفراد مشردين في بعض الشوارع، لكن التنقل والحركة خلال النهار آمن ولا توجد مشكلة، لكني أكرر الوضع آمن وجيد مع وجوب اتخاذ الحرص والانتباه في كل الأحوال بطبيعة الحال. خدمات الإنترنت ممتازة وتغطي كافة المناطق الحضرية وحتى المناطق النائية، وخدمات الدفع بالبطاقة متاحة بشكل مريح ومقبولة في كل مكان إلى درجة عدم الحاجة للكاش ولكنه يبقى خياراً مهماً للطوارئ. الريال يساوي حوالي 4.7 راند. الأسعار عموماً متوسطة وأسعار الأجرة جيدة وليست غالية، خدمات أوبر ممتازة ومتوفرة وتصل للزبون في حوالي 5-10 دقائق. المقاهي متوفرة بكثرة وبجودة ممتازة وأسعارها جيدة والمطاعم كذلك متنوعة ومتوفرة وتقدم مختلف الأطباق، والكثير منها يحمل شهادة ”حلال رسمية“ وهذا مريح للسائح طبعاً. الأسواق متوفرة والبضائع متنوعة ومتوفرة بجودة عالية تشابه أي دولة متقدمة. من الأمور المزعجة التي لاحظتها هي إغلاق المحلات والبقالات مبكراً بين 7 -5 مساء، مما يسبب ضيقاً وإرباكاً في التموين والشراء مساءً.

كيب تاون، المدينة الأم

أول موقع زرناه، هو جبل الطاولة واستمد اسمه الغريب، من استواء قمته بشكل فريد حتى أنها كالطاولة، حيث تجد القمة مستوية ومناسبة للمشي، صعدناه بالتلفريك، تبلغ قمته على ارتفاع 1080 متر عن سطح البحر، الزيارة له ضرورية ولا أتخيل أن زائراً لكيب تاون يفوّت زيارته، فهو أيقونة المدينة ويستحق الزيارة بجدارة، إن تجربة الصعود له والتجول على قمته ومشاهدة معالم المدينة الخلابة من هذا الارتفاع الشاهق تمثل متعة بصرية وروحية رائعة لا يمكن تفويتها، كذلك يمكن تجربة الطيران الشراعي لمن يرغب بذلك، حيث توفر إطلالات خلابة على جبل الطاولة. تُعتبر هذه التجربة مثالية للمبتدئين، حيث يتم الطيران الثنائي مع مدرب محترف. ذهبنا بعد ذلك لمنطقة «water front» وهي منطقة سياحية بامتياز، فيها مدينة ألعاب وأسواق متنوعة ومطاعم ومقاهي ومرسى لقوارب يمكن ركوبها لجولة بحرية جميلة في المنطقة، كذلك يتوفر في المنطقة خدمة ركوب الهيلوكبتر، وكان لدينا حجز مسبق لركوبها، كانت تجربة ممتعة ورائعة تغمر الراكب بمشاهد بانورامية ومتحركة لمعالم كيب تاون الساحرة من الجو، وسعرها حوالي 120 دولار للفرد.

صورة جوية لكيب تاون من الهيلوكبتر

زرنا متحف District 6 وهي قصة حي كان حيًّا نابضًا بالحياة ومتعدد الثقافات، سكنه خليط من الأفارقة والملونين والآسيويين والبيض الفقراء منذ القرن التاسع عشر. لكن مع صعود نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا، اعتُبرت ”منطقة بيضاء“ بموجب قانون المناطق الجماعية لعام 1966. وابتداءً من السبعينيات، هُدمت آلاف المنازل بالقوة، ورُحِّل أكثر من 60 ألف شخص إلى ضواحي فقيرة بعيدة عن المدينة. الهدم لم يكن مجرد إزالة للمباني، بل محاولة لمحو هوية وثقافة مجتمع كامل. ورغم ذلك، ظلت المنطقة رمزًا للمقاومة والذاكرة الجماعية، حيث حارب السكان السابقون من أجل الاعتراف بحقوقهم. اليوم، لم يُعاد بناء معظم المنطقة، وبقيت مساحات فارغة تذكيرًا بالجريمة. أنشئ متحف District Six للحفاظ على تاريخها وتكريم نضال سكانها من أجل العدالة والمساواة. ثم ذهبنا إلى Museum of illusion متحف الأوهام أو الغموض، حيث تجد فيه الحيل البصرية الممتعة والمسلية. بعد ذلك ذهبنا إلى حي بوكاب «Bo-Kaap»، يُعد من أقدم الأحياء التاريخية وأكثرها رمزية في جنوب أفريقيا. نشأ في القرن 18 عندما جُلب العبيد من بلدان آسيوية وإفريقية، خصوصًا من إندونيسيا، ماليزيا والهند، ليعملوا لدى المستعمرين الهولنديين. هؤلاء العبيد، المعروفون باسم ”الملونين“ أو ”Cape Malays“، استقروا في هذا الحي، فصار مركزًا ثقافيًا ودينيًا للمجتمع المسلم في كيب تاون. يتميز بوكاب ببيوته الملونة الزاهية وشوارعه المرصوفة بالحجارة، والتي أصبحت أيقونة سياحية عالمية. أهمية بوكاب لا تقتصر على جماله المعماري، بل تمتد إلى دوره في الحفاظ على هوية وثقافة سكانه الذين واجهوا التهميش خلال حقبة الفصل العنصري. المساجد التاريخية، مثل مسجد ”أوال“ الذي يُعد أقدم مسجد في جنوب أفريقيا، تجسد جذورهم العميقة. اليوم، يمثل الحي رمزًا للصمود والتنوع الثقافي، ويحتفي بتراثه من خلال المهرجانات، الأطعمة التقليدية، والتعليم الإسلامي.

حي بوكاب حي المسلمين في كيب تاون يتميز بمبانيه الملونة الفريدة

ثم ذهبنا إلى أشهر وأكبر حديقة في كيب تاون هي حديقة كريستنبوش النباتية الوطنية «Kirstenbosch National Botanical Garden»، وتُعد من أجمل الحدائق في العالم. تأسست رسميًا عام 1913 بهدف حماية النباتات المحلية الفريدة في جنوب أفريقيا. تمتد الحديقة على سفوح جبل الطاولة، بمساحة تزيد عن 500 هكتار، يجمع جزء منها بين حدائق مُنسّقة ومساحات طبيعية محمية. تشتهر بمساراتها المتنوعة، وحديقة النباتات الطبية والعطرية، بالإضافة إلى جسر المشاة المعلّق بين الأشجار المعروف بـ ”ممر الكَنوبِي“. تعتبر الحديقة ملاذاً جميلاً وساحراً لمحبي التجول في أحضان الطبيعة وتمضية بعض الوقت في الحدائق.

ممر الكنوبي في حديقة كريستنبوش كيب تاون

وفي اليوم التالي، ذهبنا إلى شاطئ البطاريق تبعد حوالي ساعة من كيب تاون Boulders beach أبرز الوجهات السياحية في جنوب أفريقيا. يشتهر الشاطئ بوجود مستعمرة من بطاريق إفريقيا النادرة، التي استقرت هناك منذ الثمانينيات وأصبحت رمزًا للحياة البرية في المنطقة. يتميز المكان برماله البيضاء ومياهه الصافية المحمية بالصخور، ما يجعله مناسبًا للسباحة والاسترخاء. توفر الممرات الخشبية المرتفعة للزوار فرصة الاقتراب من البطاريق ومشاهدتها في بيئتها الطبيعية دون إزعاجها. زيارة بولدرز بيتش ليست مجرد استمتاع بجمال البحر، بل رحلة استكشاف للتنوع البيئي الفريد الذي يجعل كيب تاون وجهة عالمية لا تُنسى.

شاطئ بولدرز بيتش قريب كوب تاون

بعد ذلك واصلنا المسير إلى منطقة رأس الرجاء الصالح «Cape of Good Hope» وهو من أبرز المعالم الطبيعية والتاريخية في جنوب أفريقيا، ويقع في أقصى جنوب شبه جزيرة كيب ضمن محمية ”تيبل ماونتن“ الطبيعية. يتميز بمناظره الخلابة حيث تلتقي المحيطات، وصخوره الشاهقة المطلة على مياه زرقاء متلاطمة، ومسارات المشي التي تمنح الزوار إطلالات بانورامية على الساحل والحياة البرية مثل النعام والظباء والبابون. تاريخيًا ارتبط رأس الرجاء الصالح بالاكتشافات البرتغالية، فبارتولوميو دياز كان أول من وصل إليه عام 1488 وأطلق عليه اسم ”رأس العواصف“، ثم غيّره الملك جون الثاني إلى ”رأس الرجاء الصالح“ للتعبير عن التفاؤل بفتح طريق بحري إلى آسيا. بعد ذلك، جاء فاسكو دي غاما في 1497 ليكمل الرحلة، ويصبح أول أوروبي يصل إلى الهند عبر هذا الطريق البحري، محققًا الإنجاز الذي فتح التجارة بين أوروبا وآسيا وجعل رأس الرجاء الصالح رمزًا للأمل والمغامرة البحرية في التاريخ، يجمع رأس الرجاء الصالح بين الطبيعة البكر وقيمة تاريخية عميقة، مما يجعل زيارته تجربة لا تُنسى لعشاق المغامرة والتاريخ معًا. تنبغي الإشارة إن الهدف من اكتشاف الممر هو الهند وليس أفريقيا، فهي مجرد ممر التفافي طويل لتجنب المرور على بلاد المسلمين التي كانت تفرض ضريبة باهظة على التجارة بين الهند وبقية الشرق وأوربا، كذلك لا يفوتني أن أصحح خطأ شائعاً عند الكثيرين، وهو الظن أن رأس الرجاء الصالح هو نقطة التقاء مياه المحيطين الهندي مع الأطلسي، وهذا غير صحيح، فنقطة الالتقاء الحقيقية تقع عند رأس أغولاس «Cape Agulhas»، وهو أقصى نقطة في جنوب قارة أفريقيا وتستغرق الرحلة بالسيارة نحو 3 ساعات تقريبًا من كيب تاون. في اليوم التالي زرنا مزرعة الألباكا تبعد حوالي 70 كيلومترًا «ساعة بالسيارة». يمكن للزوار الاقتراب من الألباكا وإطعامها والتقاط صور رائعة معها، إضافة إلى جولات تعريفية عن تربيتها واستخدام صوفها الفاخر. تضم المزرعة أيضًا حيوانات أخرى مثل اللاما والماعز، مما يجعلها وجهة مثالية للعائلات والأطفال. كما يمكن الاستمتاع بمقهى محلي ومتجر للحرف اليدوية المصنوعة من صوف الألباكا. كذلك توجد مزارع للنعام لمن يحب هذا النوع من الأنشطة السياحية. بعد ذلك كانت وجهتنا إلى Cool Runnings Toboggan Family Park في كيب تاون أول وأكبر مسار للتوبوجان في أفريقيا، حيث يقدم تجربة انزلاق مثيرة على مسار فولاذي يبلغ طوله 1.25 كم مليء بالمنعطفات والمنحدرات، مما يجعل المغامرة مناسبة للكبار والصغار على حد سواء. تجدر الإشارة أن مثل هذه الأنشطة متوفرة ومتنوعة، مثلاً أطول زيبلاين في جنوب أفريقيا هو Lake Eland Zipline Tour, ويقع في محمية Lake Eland الطبيعية بمقاطعة كوازولو ناتال. يمتد لمسافة تزيد عن 1 كم فوق وادي أورايبي الضخم، ويوفر إطلالات مذهلة على الجسور المعلّقة والسهول الخضراء. كذلك أطول لعبة بانجي جمب «القفز بالحبل المطاطي» في جنوب إفريقيا هي قفزة جسر بلومكرانس «Bloukrans Bridge Bungee»، وتُعتبر أيضًا أعلى قفزة بانجي جمب تجارية في العالم. يقع الجسر في منطقة نايسنا «Knysna» على طريق جاردن روت «Garden Route» بمقاطعة الكاب الغربية. يبلغ ارتفاع الجسر حوالي 216 مترًا، مما يوفر تجربة مثيرة للغاية لمحبي هذا النوع من المغامرات. تجدر الإشارة إلى أنه لا توجد داخل مدينة كيب تاون أو بالقرب منها سفاري طبيعي كبير مثل محميات كروغر أو بيلانسبيرغ، لكن هناك تجارب سفاري ومراكز حياة برية قريبة جدًا منها، وأشهرها Aquila Private Game Reserve & Spa يقع على بعد حوالي ساعتين بالسيارة من كيب تاون، وهو الأقرب والأشهر لتجربة ”السفاري“ ومشاهدة الخمسة الكبار «الأسد، الفيل، الجاموس، وحيد القرن، الفهد» وهي تعتبر خيار بديل لمن لا يريد السفر إلى محميات طبيعية بعيدة عن كيب تاون. كان لدينا حجز لركوب المنطاد Hot air balloon ولكنه ألغي مرتين بسبب الرياح ورطوبة الجو ولم نتمكن من ركوبه للأسف. في اليوم الذي تلاه ذهبنا إلى نادي False Bay Sports Shooting Club يُعد النادي وجهة مثالية لعشاق المغامرة، حيث يقع في محجر قديم يوفر إطلالات خلابة على خليج فولس. يتيح النادي للزوار فرصة فريدة لتجربة الرماية بالأسلحة النارية المتنوعة، من المسدسات إلى البنادق الهجومية، تحت إشراف مدربين محترفين. المكان آمن وممتع لكل من المبتدئين والمحترفين، ويضمن تجربة لا تُنسى في قلب الطبيعة الساحرة. بعده توجهنا إلى مجمع كانال ووك «Canal Walk» أكبر مركز تسوق في كيب تاون وواحدًا من أكبر المجمعات في أفريقيا. يتميز بتصميمه المعماري المستوحى من الطراز الفينيسي ويضم أكثر من 400 متجر متنوع، بالإضافة إلى مجموعة واسعة من المطاعم والخيارات الترفيهية مثل دور السينما وأماكن الألعاب، مما يجعله وجهة تسوق وترفيه متكاملة. في اليوم التالي، ذهبنا في رحلة يوم كامل لمشاهدة الحيتان، ومن ضمنها مشاهدة الفقمات والبطاريق وأسماك القرش، كانت رحلة ممتعة ومفعمة بالمشاهد الخلابة والمناظر الطبيعية وفرصة نادرة لالتقاط الصور للحيوانات في مواطنها الطبيعية. وبذلك انتهت فترة إقامتنا في مدينة كيب تاون.

الرحلة إلى منتزه كروغر الوطني وجولات السفاري

وحان وقت السفر إلى وجهتنا التالية وهي منتزه كروجر الوطني. «Kruger National Park» أحد أكبر وأشهر المحميات الطبيعية في العالم، ووجهة رئيسية لعشاق رحلات السفاري. تأسس المنتزه عام 1898 على يد الرئيس بول كروغر بهدف حماية الحياة البرية من الصيد الجائر، وافتتح للجمهور عام 1927. يغطي المنتزه مساحة شاسعة تزيد عن 19,000 كيلومتر مربع، وهو موطن لتنوع بيولوجي هائل. يشتهر المنتزه باحتوائه على ”الخمسة الكبار“ «The Big Five»: الأسود، الفيلة، وحيد القرن، النمور، والجاموس الأفريقي، بالإضافة إلى مئات الأنواع الأخرى من الثدييات، والطيور، والزواحف. يقع منتزه كروغر الوطني في شمال شرق جنوب أفريقيا، بينما يقع على طول الحدود مع موزمبيق وزيمبابوي. يوفر المنتزه تجربة فريدة للزوار، سواء عبر الجولات المصحوبة بمرشدين أو قيادة السيارات الخاصة «Self-drive». كما يضم مجموعة من المخيمات والمنتجعات التي توفر أماكن إقامة متنوعة، بدءًا من المخيمات الاقتصادية وصولاً إلى المنتجعات الفاخرة، مما يتيح للزوار فرصة الاستمتاع بجمال الطبيعة ومشاهدة الحيوانات في بيئتها الطبيعية. كانت رحلتنا من كيب تاون إلى مطار قريب من المنتزه عبر رحلة داخلية مدتها ساعتان ونصف. ولأن هذا النوع من الأنشطة صعب الإعداد وغير مألوف لدينا، فقد حجزنا مسبقاً مع صاحب نشاط متخصص في جولات السفاري، السكن والوجبات والنقل والجولات السياحية لمدة 3 أيام. شاهدنا خلال الجولات البرية والنهرية الأسود والفهود والشيتا والفيلة والجاموس والزرافات ووحيد القرن والظباء وحمار الوحش وفرس النهر والبابون والتماسيح وطائر العقاب والكثير الكثير من الحيوانات والطيور البرية والنهرية، وما تمثله هذه المشاهد الحية من متعة بصرية وروحية من خلال التأمل في حركة الحيوانات في مواطنها الطبيعية بدون أي قيود أو سياج، فالسيارة التي نركبها مكشوفة والمسافة قريبة جداً من الحيوانات، وهذا زاد تجربتنا متعة وإثارة لا تنسى.

صورة من منتزه كروغر الوطني

ولا أحتاج إلى التأكيد على أن مثل هذا النشاط قد لا يناسب الكثيرين، كونه يتطلب رغبة في مشاهدة الحيوانات في بيئتها، وما يتبع ذلك من عناء ووقت وتكلفة مادية، إضافة للخوف الذي قد يشعر به البعض من الحيوانات، ولكننا ولله الحمد وجدنا المتعة والدهشة والبهجة التي أردناها من هذه التجربة الفريدة، وكانت تستحق كل المال والتعب والوقت الذي بذلناه في سبيلها. بعد الانتهاء من زيارة المنتزه الوطني ورحلات السفاري انتهت رحلتنا بحمد الله وحان الوقت للرجوع للوطن، وكان الرجوع عن طريق مطار جوهانسبرغ، وللمعلومية المدينة وبعد البحث والتقصي ليس بها الكثير للاستكشاف والمشاهدة سياحياً.

جنوب أفريقيا: رحلة إلى قلب التنوع

في نهاية المطاف، تُعدّ جنوب أفريقيا أكثر من مجرد معلم سياحي؛ إنها قصةُ تستحق الرواية للعالم. من قمم ”جبل الطاولة“ الشاهقة إلى سهول ”كروغر“ المترامية، ومن شواطئها التي تعانق المحيطين إلى مدنها النابضة بالحياة، تُقدم البلاد تجربة فريدة تجمع بين الطبيعة الساحرة والتاريخ العريق. إنها وجهةٌ تستحق الزيارة، ليس فقط للاستمتاع بجمالها الطبيعي، بل لفهم كيف يمكن للتنوع أن يكون قوة دافعة للتطور والازدهار.