لماذا نجحت الأحساء وأخفقت القطيف؟
نعيش هذه الأيام موسم الثمار الصيفية: الرطب، والليمون، واللوز، والتين. وهذه الثمار تشتهر بها منطقتا القطيف والأحساء لما لهما من تاريخ زراعي عريق. والسر في رواج هذه الثمار هو رغبة المستهلك في الحصول عليها، ومع ظهور وسائل التواصل الاجتماعي زاد الطلب عليها، مما جعلها مصدرًا للتنافس ليس في السوق فقط، بل حتى في الدوائر الاجتماعية في كلا المنطقتين. حيث أصبح التنافس على من يحتكر اسم هذه الثمار: ”كلٌّ يدّعي وصلاً بليلى...“. وهذا في حدوده الطبيعية لا بأس به، لكن ما يُخشى منه أن يكون مصدرًا من مصادر التشاحن والتباغض بين المجتمعات، وهذا ما لا نرغب ولا نتمنى حصوله، لأن ما يربطنا من روابط اجتماعية أكبر من هذه المسميات وهذه الثمار.
كل ما تقدم هو عبارة عن مقدمة لما نود الحديث عنه، وهو السؤال الذي عنونَّا به المقال: لماذا نجحت الأحساء وأخفقت القطيف؟
الجواب بشكل مختصر هو: ”فهم السوق“. وهو دخول التجار أو رواد الأعمال في خط المنافسة على هذه الثمار، وتحويلها من ثمار عادية ذات عوائد مالية قليلة إلى منتجات ذات قيمة وعوائد مجزية للمزارع والتاجر في الوقت ذاته. فقد استطاع التاجر أو رائد الأعمال الأحسائي إضافة ”الصناعة التحويلية“ إلى هذه الثمار الموسمية والاستفادة من كل شيء فيها، حيث لا يوجد جزء منها إلا وتم تحويله إلى منتج قابل للبيع. إضافة إلى ذلك، عملوا على تسويق تلك المنتجات، مما ساعد في انتقالها من رفوف المتاجر إلى المستهلك. إذ لا يكفي أن ننتج منتجات جميلة وجذابة وذات قيمة عالية لكنها تفتقد عنصر التسويق، مما يحرم المستهلك من التعرف عليها، ومن ثم لا تجد تلك المنتجات السوق المناسب الذي تستحقه وتحقق العائد الاقتصادي المأمول. وأخيرًا، وجود مجتمع يدعم ويشجع على شراء المنتج الوطني جعل المزارع ورائد الأعمال يعملان بكل ما يستطيعان على تطوير هذا النوع من الأسواق، والوصول بها إلى العالمية تحت وسم ”صُنع في السعودية“، لتصبح هذه المنتجات فخرًا وعزًّا للوطن.
هل عرفنا لماذا نجحت الأحساء وأخفقت القطيف؟ السر ليس في الاسم، إنما في فهم السوق وما يحتاجه المستهلك، وقدرة المجتمع على الابتكار والتطوير. هذا ما جعل الأحساء تنجح. والغرض من هذا المقال ليس جلد الذات، بل فهم مقومات النجاح ومعرفة أسبابه، التي إذا تبعناها نجحنا وتقدمنا، وإذا اكتفينا بما عندنا، وقلنا: ”ليس بالإمكان أفضل مما كان“، والله لا يغيّر علينا، خسرنا الرهان وفاز من يراهن على الأخذ بأسباب النجاح والسعي نحو تحقيقها بكل الوسائل الممكنة، وأخفق من جانب ذلك وركن إلى التعصب والمناطقية.