آخر تحديث: 21 / 9 / 2025م - 1:17 ص

التأمل عبر الانغماس في القراءة

يوسف أحمد الحسن * صحيفة البلاد

قليلة جدًّا هي اللحظات التي يستطيع فيها أحدنا في هذه الأيام أن يختلي بنفسه، ويفكر في حاله وفي الكون، أو القيام بما يسمى التأمل «Meditation»؛ الذي يعرّف بأنه ممارسة عقلية إرادية، يقوم بها البعض؛ بهدف تهدئة العقل والجسم وتعزيز التركيز والوضوح الذهني، أو تحسين الصحة النفسية بشكل عام، وذلك باستخدام وسائل متعددة؛ منها التركيز على التنفس أو على صوت أو صورة ذهنية، أو على لحظة حالية يعيشها. ومن أجل تسهيل الوصول إلى الاسترخاء يمارَس التأمل غالبًا في بيئة هادئة، وقد يأخذ أشكالًا متنوعة؛ منها المشي، أو الأذكار الدينية، أو حتى مجرد الجلوس في جو هادئ دون تفكير عميق.

كل هذه الأمور التي تتحقق من التأمل الذي نعرفه يمكن الوصول إليها بالقراءة؛ حيث تسهم في تقليل التوتر، وتحسين المزاج، كما تزيد من التركيز الذهني للقارئ، حيث تعلمنا الاختلاء بأنفسنا مع الكتاب فحسب. فحين يندمج القارئ في كتاب يحبه؛ فإنه إنما يتوحد معه مبتعدًا عما يحيط به، وربما ابتعد سنوات وقرونًا إلى الوراء حينما يقرأ في تاريخ، أو سافر مئات الكيلومترات أو آلافها حين يقرأ في أدب الرحلات، وربما عانق كبار الفلاسفة والمفكرين حين يقرأ في كتبهم. كل هذا يحصل ربما حين ينغمس القارئ في كتاب مناسب له، وهو جالس على أريكة ناعمة في منزله أو أي مكان هادئ، في حالة تشبه جلسات التأمل المعروفة لدى البعض. فكما يخرج المتأمل من جلسته التأملية بنفسية جديدة، وربما بنظرة مختلفة للعالم، وكأنه أعاد تشغيل نفسه من جديد، فكذلك يحدث مع القراءة حين يُحْسِن القارئ اختيار الكتاب، مع محاولة التخفيف من التفكير العميق وإبطاءِ إيقاع العقْل.

وختامًا، وحتى لا يساء فهمنا، فليست جميع القراءات يمكن أن تشبه التأمل في تأثيراتها، حيث لا تكفي نوعية الكتب لتحقيق ذلك، بل يجب أن تكون الأجواء المحيطة بالقارئ مهيأة لذلك؛ من مكان هادئ، وإضاءة مناسبة، هذا علاوة على تفريغ القارئ لنفسه خلال القراءة، التي يراد منها تحقيق التأمل، وعدم الاستعجال في القراءة، والاهتمام بفهم المادة المقروءة بأقل جهد ذهني، مع تقليل الاهتمام بِكمِّ القراءة. وينصح كذلك بأن يرافق هذه القراءة بعض تمارين التنفس المعروفة في التأمل. وربما كانت بعض الكتب مناسبة أكثر من غيرها للتأمل؛ مثل بعض كتب الشعر والحكمة أو بعض النصوص الدينية، وما يجمعها هو أن يميل إليها القارئ، مع التركيز على الشعور بما هو مكتوب، وليس بالضرورة فهم كل شيء، مع التوقف كل فترة للتفكير والتأمل فيما قرأ، أو مجرد الصمت.

• «القراءة والكتابة أغنى أشكال التأمل المتوفرة». الروائي كورت فونيغت.