آخر تحديث: 21 / 9 / 2025م - 9:36 ص

الصداقة

عبدالحكيم السنان

عنواننا اليوم يدور حول الصداقة لأنها محور فعّال لبناء العلاقات.

الصداقة صناعة وفن، وهي لا تولد بسرعة بل ببطء، ولا يمكن أن تهبط علينا من السماء في لحظة مفاجئة، وهي تبدأ بنفسها.

وللصداقة أرضية لابد من تهيئتها، وهي الالتزام بالأخلاق الفاضلة والتمتع بالتواضع وضبط النفس وقوة الإرادة.

فإذا وجدت أرضية الأخلاق يستطيع الإنسان أن يزرع فيها ما يشاء.

وكما قلنا إنّ الصداقة صناعة، فهذا يعني أننا نصنع صداقاتنا في الحياة كما نصنع أُسرنا. وقلنا إنّ الصداقة فن، وهذا يعني أننا نستعمل الذوق والفكر والضمير معًا.

الأصدقاء كنوز يجب البحث عنهم وتحمل التعب من أجل اكتشافهم، فهي من منظور العلاقات تعد عقدًا من العقود، وهذا مما يميزها ويجعلها من العلاقات السامية، لأن العقود لا تعقد إلا بوجود طرفين على الأقل، فالزواج يعتبر عقدًا لوجود طرفين، وكذلك البيع والإجارة.

فكل هذه عقود بمعنى وجود طرفين متفاهمين ولديهما القبول حتى يتم هذا العقد. هذا ما رمى إليه علماء الأخلاق من عمق هذه العلاقة، وهذا إن دلّ فإنما يدلّ على عمق ومكانة هذه العلاقة، لأنها تلامس الشعور والأحاسيس الوجدانية للإنسان.

فهناك أنواع للصداقة تختلف باختلاف مراحل الإنسان العمرية:

• صداقة الطفولة التي تتكون في بداية العمر، وذلك عن طريق الجيرة أو الدراسة في الصفوف الأولى. والذي يميز تلك الصداقة أنها تخلو من الشوائب والمصالح وسرعان ما تذوب الخلافات، لأنها نقية وصافية.

• وهناك صداقة في مراحل الشباب والمراهقة، وهنا تبدأ المشاكل والخلافات، لأن هذا النوع من العلاقة تسودُه الكثير من العاطفة، مما يجعله على مفترق طرق: إمّا الاستمرار أو القطيعة، وهذا فيه أذى للنفس.

• وأما الصداقة في مرحلة النضوج، فهي تأخذ طابع الأخوّة وتكون مدروسة، لأن اختيارها في مرحلة النضوج يجعلها تتميز بالأخلاقيات الرفيعة، وتكون العلاقة فيها متينة ويصعب أن تنقطع.

وقد رُوي عن الإمام علي :

«الصديق ثم الطريق». فمن دون الأصدقاء، كيف يجتاز المرء الغابات؟ وكيف ينجح من دون أن يشكل له شبكة وعلاقات تعينه على اتخاذ القرارات ورسم الأهداف؟

والصداقة تغذي الأخلاق وتستثمر المبادئ. فمن هنا، فإن الحديث عن الأخلاق لا ينفصل عن الحديث عن الصداقة، والعكس صحيح.

ولقد كانت أخلاق الصداقة أساس العلاقة السامية التي بُنيت عليها الحضارات.

فالصداقة التي تتحلى بالأخلاق تخلو من كثير من الشوائب، وهي بحاجة إلى المبادرة والإحسان بقدر ما هي بحاجة إلى الرد الجميل والعدل في العطاء.

فالصداقة شجرة تنمو في أجواء الإحسان.

ويقول الإمام زين العابدين في رسالته المعروفة بـ ”رسالة الحقوق“:

«وأما حق الصاحب فأن تصحبه بالفضل ما وجدت إليه سبيلًا، وإلا فلا أقل من الإنصاف، وأن تكرمه كما يكرمك، وتحفظه كما يحفظك، ولا يسبقك فيما بينك وبينه إلى مكرمة، فإن سبقك كافأته، ولا تقصر به عما يستحق من المودة، وتلزم نفسك نصيحته وحياطته ومؤازرته على طاعة ربه، ومعونته على نفسه فيما يهمّ به من معصية ربه، ثم تكون عليه رحمة، ولا تكون عليه عذابًا».

فالحديث عن الصداقة واسع، ولا يمكن الإحاطة به في عدة سطور، فهو أشمل بكثير من هذه النقاط، والحديث فيه يطول.

ووفقنا الله وإياكم للتحلي بالصداقة التي تسمو بنا إلى طهارة النفس والقرب من الله - عز وجل -.

وتلك هي حقيقة جميع العلاقات التي تكون خالصة لوجه الله تعالى.