المسابقات الطلابية.. بين تطبيقات جودة التعليم وممارسات عزل الصفوة
تتحفنا الأخبار من يوم لآخر بأخبار إنجازات طلبتنا الذين يشاركون في المسابقات الدولية المختلفة، فبالإضافة للإنجاز الشخصي الذي حققوه، يبعث هؤلاء الثقة والسعادة في نفوس ذويهم وكل الوطن، فهم يرفعون بهذه الإنجازات اسم المملكة في هذه المحافل العلمية الدولية.
يخضع هؤلاء الطلبة الذين يتم اختيارهم بدقة متناهية وعبر مؤسسات متخصصة لتدريب مكثف من خبراء مختصين ودعم كبير لتأهيلهم للفوز، فهم أشبه بمحترفي الألعاب الرياضية الذين يتم تأهيلهم للفوز في البطولات والمسابقات الرياضية. ونشيد بالدور الذي تلعبه مؤسسة موهبة التي مأسست هذه الجهود وهذا العطاء.
لست بصدد الحديث عن مزايا هذه المسابقات على مستوى الطلبة التي تصقل شخصية الطالب وتمنحه الثقة ويكتشف الطالب أيضًا حجم الاستثمار الذي تبذله المؤسسات المعنية في صقل أبنائها الطلبة. لكني أود التطرق إلى أهمية التكامل مع هذه الجهود للاستفادة من هذه التجارب بشكل ينعكس على شريحة أوسع وعدد أكبر من الطلبة.
فالطلبة الذين يشاركون في المسابقات الدولية قد يكون هم صفوة الصفوة من الطلبة الذين يتم اختيارهم منذ المراحل الدراسية الأولى وتعريضهم لبرامج خاصة بهم، وهنا تظهر بعض النقاط الجديرة بالملاحظة، الأولى أن عدد هؤلاء الطلبة محدود جدًا مقارنة بمجمل عدد الطلبة في المملكة، والثانية: أن هؤلاء الطلبة يصبح جزءًا كبيرًا من دراستهم منفردين لوحدهم، مما يجعل تواصلهم مع بقية الطلبة تحديًا للعملية التعليمية. النقطة الثالثة: أن اقتناص الطلبة المتميزين أو الموهوبين وتقديم برامج خاصة لهم، هو إجراء لا يحدث الحافز المطلوب للطلبة الآخرين أو يستفزهم لزيادة الجهد والحماس للتعلم، فهي أشبه بالعملية الصامتة غير المحفزة للطلبة الآخرين، وبالتالي تصبح هذه ثغرة تحتاج لمعالجة دقيقة تراعي جميع النواحي المتعلقة بالعملية التعليمية.
أعتبر نفسي من المحظوظين الذين شهدوا المسابقات الطلابية التي كانت تقام في مدرستي الابتدائية على مدى سنتين اثنتين، فما زلت أتذكر أجواء المدرسة حينها، حيث بالإضافة إلى الجو الدراسي العادي، كان مدرس كل صف يجتهد أكثر كي يفوز فصله على باقي الفصول لتمثيل المدرسة في مسابقات المدارس، كانت أجواء المسابقة إضافة إلى الأنشطة غير المدرسية غير الصفية مثل الإذاعة والمجلة الحائط تتطلب من المعلم جهدًا إضافيًا لا يقل عن جهد التدريس.
لكني أطرح هنا تجربة عزيزة على قلبي كنت أشاهدها عبر التلفزيون، وهي تجربة مسابقات الطلبة «برنامج مع الطلبة» التي كانت تقيمها وزارة التربية في دولة الكويت في الثمانينيات من القرن الماضي. حيث أبدعت الكويت ليس فقط في إجراء تلك المسابقات بشكل دوري سنوي مثل الدوري الرياضي، كي يزيد من حماسة الطلبة وذويهم، بل أيضًا في نقل هذه المسابقات من أروقة المدارس إلى الفضاء الإعلامي عبر برنامج تلفزيوني يتم عرضه في التلفزيون الرسمي يهتم به المجتمع، ولعبت وزارة الإعلام الكويتية دورًا محوريًا فيه، من خلال توقيت عرضه وجعله احتفالية طلابية اجتماعية يُكرم فيها الفائزون ويشارك فيها أشهر الوجوه الإعلامية والرياضية وسط حضور كبير من المسؤولين.
وهي تجربة أثبتت نجاحها وجديرة بالدراسة والاقتباس والتطوير، وأحسب أن تطبيق المسابقات الطلابية داخل المدرسة وبين المدارس مع بعضها هي عملية تجسير للفجوة وتحقيق التكامل مع الجهود الأخرى، فطبيعة تلك المسابقات تساهم بشكل غير تقليدي في رفع مستوى جودة التعليم عبر تحسين البيئة والتحفيز غير المباشر على حب التعلم لدى الطلبة وبالتالي توسيع قاعدة الطلبة الصفوة، كما تقضي على كثير من السلبيات الإدارية والتعليمية بشكل تلقائي.
هنيئًا لطلبتنا على إنجازاتهم المميزة والتجربة الفريدة التي اكتسبوها أثناء التحضير لهذه المسابقات الدولية التي لم يتم اختيارهم لها إلا لجدارتهم وتفوقهم، كما نهنئ الجميع ببدء العام الدراسي الجديد.