آخر تحديث: 21 / 9 / 2025م - 1:17 ص

الترفيه والصحة: شراكة وطنية نحو مجتمع متوازن ومستدام

عاطف بن علي الأسود *

في الوقت الذي تتسارع فيه الجهود الوطنية لبناء اقتصاد قوي ومجتمع مزدهر، يبرز مفهوم الصحة الشاملة كأحد المحاور الأساسية التي لا يمكن تحقيق التنمية دونها. ولم تعد الصحة تُختزل فقط في العلاج أو الوقاية من الأمراض، بل اتسع معناها لتشمل الرفاهية النفسية والجسدية والاجتماعية، والتي أصبحت اليوم جزءاً لا يتجزأ من رؤية التطوير الوطني.

الصحة تبدأ من جودة الحياة

أحد أهم أوجه تحسين الوضع الصحي اليوم هو إدماج المراكز الترفيهية والبيئات الخضراء ضمن التخطيط الحضري الشامل. فالمتنزهات، والباحات الخضراء، والمساحات المفتوحة، ومراكز الترفيه العائلي، تُعتبر عناصر فعالة لتعزيز الصحة النفسية والجسدية، وتقليل مستويات التوتر، ورفع جودة الحياة للمواطنين والمقيمين على حد سواء.

هذه المرافق لا تُعد ترفًا، بل ضرورة تنموية وصحية، حيث تُشجع الأفراد على النشاط البدني، وتُوفر بيئة اجتماعية صحية، وتخلق فرصًا للتفاعل المجتمعي الإيجابي.

شراكة اقتصادية من أجل الصحة

إن الدولة، حينما تفتح المجال أمام رجال الأعمال للدخول في مشاريع تطوير المرافق العامة ذات الطابع الترفيهي والصحي، فإنها لا تخلق فقط فرصة استثمارية، بل تؤسس لنهج جديد في الاقتصاد الصحي المستدام. ف استثمار الممتلكات العامة من قبل القطاع الخاص، وبتيسير حكومي مدروس، يمكن أن يُنتج مشاريع استراتيجية تحقق عائدًا مزدوجًا:

• لرجل الأعمال: من خلال تقليل كلفة التملك المباشر للمواقع الاستراتيجية.

• وللمواطن: من خلال الحصول على خدمات ترفيهية وصحية بجودة عالية وأسعار معقولة.

هذا التعاون البنّاء بين القطاعين العام والخاص يعزز من ترابط اقتصادي حيوي، يُحقق أهداف الصحة العامة، ويرفع من معدلات السياحة الداخلية، ويخلق بيئة مجتمعية منتجة وسعيدة.

السياحة العلاجية والترفيهية: آفاق واعدة

من بين القطاعات الناشئة التي بدأت تفرض حضورها في الخطط المستقبلية، السياحة العلاجية والترفيهية، وهي مزيج مثالي يجمع بين جودة الرعاية الصحية، وأجواء الاستجمام، والخدمات التكميلية.

عندما تُوضع أسس واضحة للتعاون بين الجهات الحكومية والمستثمرين، ويتم توفير التسهيلات المحفزة، يصبح من الممكن استقطاب الزوار من داخل وخارج المملكة، للاستفادة من منظومة علاجية وترفيهية متكاملة.

هذه المبادرات، حين تُدار باحترافية وتخطيط، تُسهم في:

• خلق وظائف نوعية.

• رفع كفاءة الإنفاق الصحي.

• تنشيط قطاعات النقل، الضيافة، والخدمات الصحية المساندة.

نحو نموذج وطني متكامل

بناء مجتمع صحي لا يقتصر على المستشفيات والمراكز الطبية، بل يبدأ من التخطيط الذكي للمدن والمرافق العامة، مرورًا بإشراك القطاع الخاص، وانتهاءً بوضع الإنسان في قلب السياسات العامة.

ولعل من أهم مرتكزات هذا النموذج:

• تعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص في إنشاء وتشغيل المرافق الصحية والترفيهية.

• استثمار الأصول العامة بما يحقق الفائدة الاقتصادية والاجتماعية.

• دعم مبادرات السياحة الداخلية والعلاجية بما يعكس وجه المملكة الحضاري.

• جعل جودة الحياة محورًا في جميع مشاريع التنمية الحضرية.

ختامًا

نحن اليوم أمام فرصة تاريخية لإعادة تعريف العلاقة بين الصحة، والاقتصاد، والترفيه.

إن الاستثمار في مراكز الترفيه والبيئة الصحية ليس ترفًا، بل استراتيجية وطنية ذكية، تجعل من المواطن إنسانًا منتجًا، ومن الاقتصاد صحيًا، ومن الوطن بيئة حاضنة لكل مقومات الحياة الكريمة.

دراسات عليا اقتصاد صحي