آخر تحديث: 21 / 9 / 2025م - 1:17 ص

بين التخطيط والقدر

ياسين آل خليل

لم يعد أحدٌ اليوم في مأمن من المفاجآت. وظيفة مستقرة قد تضيع بين ليلة وضحاها، صحة يظنها المرء متينة فإذا بها تخونه فجأة، أو استقرار أسري يتبدّد على حين غرّة. لقد غدت الحياة أكثر سرعةً وتعقيدًا مما كانت عليه، حتى باتت القرارات التي نتخذها تُشبه الوقوف على حافة ضباب، نحدّق في الطريق ولا نرى إلا جزءًا صغيرًا منه.

نحن نخطط ونرتّب ونحسب، متكئين على معطيات نظنها ثابتة، ثم إذا بها تتبدل بسرعة دون أن تمنحنا فرصة للتكيّف. فتتعثر الخطط، وتتشابك الحسابات، ويبدو المستقبل أقرب إلى حقل مليء بالمجهول منه إلى لوحة واضحة المعالم.

ومع هذا الغموض، لا خيار أمامنا سوى أن نختار. إنّ كل لحظة من حياتنا تحمل في طياتها الكثير من القرارات الصغيرة منها والكبيرة، والقرارات هي التي تشكّل المجرى الذي ستسلكه حياتنا. قد ننجح أحيانًا فنجد أنفسنا حيث أردنا، وقد نفشل فننتهي إلى أماكن لم نتوقعها. لكن الحقيقة الثابتة أنّ الجمود أخطر من التعثر، وأن البقاء في حالة من التردد على قارعة الطريق لا يُغني ولا يحمي.

الحياة اليوم أشبه بمنصّة واسعة متشعبة، تزدحم فيها الخيارات كما تزدحم التطبيقات على هواتفنا. بضغطة واحدة يمكنك أن تفتح بابًا للفرص أو نافذة على العناء. بعضها يقرّبك من أحلامك، وبعضها يستهلك وقتك وطاقتك دون جدوى. لكنك في النهاية أنت المسؤول عن النقرة التي تختارها، وعن الطريق الذي تسلكه.

لا ضمانات هنا. قد تبدو بعض الطرق مُشرقة في بداياتها، لكنها تنتهي إلى تعاسة أو فراغ. وقد تظن طريقًا مليئًا بالصعاب، فإذا به يقودك إلى نضج وسعادة لم تكن تحلم بها. ما نحتاجه اليوم وغدًا ليس يقين النتائج، بل شجاعة المواجهة، والقدرة على تحمّل تبعات قراراتنا بحلوها ومرّها.

إنّ كل فشل يحمل درسًا لا يقدّمه النجاح، وكل طريق مسدود قد يفتح بصيرة جديدة. التجربة في ذاتها ثروة، لأنها تمنحنا وضوحًا أكبر في المرة التالية. لذلك، لا تكن متفرجًا على حياتك، حيث تُجمّدك الحيرة وتُعطلك المخاوف. اختر طريقك، وامضِ فيه، حتى وإن كان غامضًا. فالحياة لا تُعطي ضمانًا، لكنها تكافئ الساعين من حيث لا يحتسبوا.