آخر تحديث: 21 / 9 / 2025م - 1:17 ص

تاروت الجزيرة الخضراء ومرفأ الأزمنة

أمين محمد الصفار *

سعدت بقراءة هذا السفر لأستاذ اللغة البروفيسور أحمد محمد المعتوق. فالقراءة لهذا السفر المميز هي رحلة تاريخية على شكل حكاية بصوت شاعري يقودك فيها الكاتب إلى أعماق ما يقارب المائتي عام من التاريخ في دهاليز جزيرة تاروت. الجزيرة التي عشقها الكاتب وأخذ يسترجع ذاكرته السبعينية مستندًا على مرويات والده الشفهية العلامة الشيخ محمد تقي المعتوق رحمه الله، الذي عاش لما يقارب المائة عام، وهو بحكم موقعه وحيثيته الدينية والاجتماعية كان له واسع الاطلاع والمعرفة، فهو أيضًا ابن هذه الجزيرة. كما شكّل خال الكاتب المرحوم الحاج علي بن إبراهيم التاروتي جزءًا مهمًا من ذاكرته، فخاله هو أحد وجهاء جزيرة تاروت، وهو رجل أعمال وشخصية مهتمة بالشأن الاجتماعي، وهو أحد الأشخاص المعروفين باهتمامه بالآثار والتراث، ولعله هو أول تاروتي يهتم ويُعرف على نطاق واسع باقتناء مجموعة كبيرة من النفائس الأثرية.

جاء الكتاب ككاميرا تلفزيونية تنقل وتحكي لنا صورًا مباشرة لموقع جزيرة تاروت ومكوناتها بالصوت والصورة متحركة في كل تفاصيل الجزيرة لحقبة سابقة من الزمن. ويضيف للكتاب أهمية خاصة الرصيد المعرفي الذي يمتلكه ويعتمد عليه الكاتب. لقد وثّق الكاتب الكثير من الأسماء الشعبية للعيون والشخوص والمواقع والعديد من تفاصيل حياة الناس وأسلوب معيشتهم، وهي تفاصيل لا يعلمها إلا تاروتي قديم ومهتم أيضًا بهذه التوثيقات. حيث يتنقل الكاتب في تسمية ووصف ما فوق الأرض ليتنقل بعدها للحديث عمّا أسفل ذلك أيضًا، ولم يغب عنه أن يوثّق حتى تلك الأساطير التي كانت متداولة في الجزيرة منذ مئتي سنة حسب ما يُفهم من سرده.

نظرًا لسعة اطلاع الكاتب، فقد استخدم أسلوب المقارنة بين كل عنصر موجود في جزيرة تاروت، مع ما يقابله أو يماثله من عناصر أخرى موجودة في مناطق أو دول أخرى، مع تبيان الفوارق بينهما. كذلك لن يجد القارئ عناءً في معرفة معاني بعض الأسماء والمصطلحات، فقد وظّف الكاتب مجال تخصصه في شرح وتبسيط العديد من الأسماء والمصطلحات التي قد تكون غامضة لبعض القراء. لقد ضم الكتاب ضمن فصل الظواهر والأحداث توثيقًا مفصلًا ونادرًا لقصة أثارت جدلًا واسعًا حولها بين فريق يثبتها وآخر يشكك في صحتها، وهي قصة الضابط الروسي المعروف بعبدالله الروسي أو عبدالله النصراني، وكذلك قصة الضابط العثماني ”كريموه“. ولعل هذا أول كتاب يوثّق هذه القصص التي كان وما زال يتداولها الناس شفاهة.

خلال قراءتي للكتاب تذكرت العديد من الشخوص التي تمنيت أنها قد قرأت هذا الكتاب قبل أن ألتقيت بها. فالكتاب يفتح نافذة بانورامية وتفصيلية أيضًا، يطل من خلالها القارئ القريب والبعيد ليرى بعض التفاصيل الدقيقة عن الحياة في الجزيرة «قديمًا» كما يرى التضاريس المكانية والزمانية لها. فهو على أقل تقدير توثيق رصين للسردية الشعبية لآخر 200 سنة، وقد زاد توثيق الكاتب ومنطقه تماسكًا قوة هذه السرديات التي ما زال بعضها محفوظًا في الذاكرة الشعبية.