السعودية... موقف جلي وواضح
مع اقتراب إكمال حرب غزة عامها الثاني، يعاد الحديث عن السلام الشامل في الشرق الأوسط بقبول واقع دولة إسرائيل كجزء من المنطقة. وفي هذا الإطار، يجري الحديث عن الدول التي وقعت اتفاقيات مع تل أبيب، وتلك التي أبدت رغبتها في التوقيع، وتلك التي تضع شروطاً واضحة قبل القبول بفكرة التوقيع، وتلك التي ترفض الفكرة تماماً.
وإذا كانت الدول العربية التي وقعت مع تل أبيب تتفاوت في موقفها اليوم، فإن ثمة دولاً ترغب في التوقيع دون وجود رؤية واضحة المعالم لمستقبل تلك العلاقة. فسوريا على سبيل المثال، خرجت من حرب أهلية طاحنة وتريد أن تبني نفسها من الداخل بأن تتجاوز مرحلة الصراعات الإقليمية والداخلية. وقد عبّر المسؤولون السوريون مراراً عن رغبتهم في البعد عن التوتر مع تل أبيب. ومع ذلك لم تخطُ إسرائيل خطوة واحدة تجاه دمشق، بل على العكس، قامت بعدة أعمال عدائية ضدها.
لا شك أن الاعتراف بإسرائيل من قبل دولة بحجم السعودية سينقل إسرائيل لموقع آخر على الخريطة الجيوسياسية.
لقد قدمت الدول العربية وعلى رأسها السعودية فرصاً عدة لإسرائيل، لكن عنجهية قادة الدولة العبرية أبت أن تقابل هذه الفرص بإقامة سلام عادل ينهي هذه الحروب المتواصلة.
في 7 أغسطس «آب» 1981، طرح الملك فهد بن عبد العزيز «ولي العهد آنذاك» خطة سلام شاملة للشرق الأوسط. تضمنت الخطة ثمانية مقترحات عُرفت ب«مبادئ السلام»، والتي لخصت قرار الأمم المتحدة 242. ركزت المقترحات على حل الدولتين، مع اعتبار القدس الشرقية عاصمة لفلسطين، وأقرت بحق اللاجئين في العودة أو الحصول على تعويض. قوبلت هذه الخطة برفض شديد من إسرائيل، التي وصفتها ب«مخطط للقضاء على إسرائيل».
وفي وقت لاحق، وتحديداً في قمة جامعة الدول العربية ببيروت يوم 28 مارس «آذار» 2002، طرح الملك عبد الله بن عبد العزيز مبادرة أخرى. جاء الإعلان عن هذه الخطة الشاملة للسلام بعد لقاء سابق مع الصحافي توماس فريدمان الذي نشر الخبر. وحسب رواية فريدمان، عندما طرح فكرة السلام على الأمير عبد الله «ولي العهد آنذاك»، نظر إليه الأمير متسائلاً: «هل اقتحمتَ مكتبي؟». ومع ذلك، قوبلت المبادرة العربية برفض إسرائيلي قاطع، حيث كانت تستند إلى قرار الأمم المتحدة رقم 194 الذي يؤكد على حق عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم.
طبعاً تهربت إسرائيل من كل هذه المبادرات، بل ورفضتها. ولجأت إلى عقد اتفاقات ثنائية وقعتها إسرائيل مع بعض البلدان العربية، لأنها لا تريد مواجهة تكتل موحد يضعها في موقف ضعيف. هذا الموقف يتّسق مع سياستها طويلة الأمد في التعامل مع الدول ككيانات منفردة لا ككتلة إقليمية. وتتيح لها هذه الاستراتيجية الثنائية استغلال تفوقها العسكري وقدراتها الاقتصادية المدعومة بسخاء من الولايات المتحدة.
وهذه الاتفاقيات لا تُعد معاهدات شاملة، بل هي اتفاقات ثنائية تُلزم الأطراف الموقعة عليها فقط، دون أن ترتبط ببعضها البعض، باستثناء وجود إسرائيل كطرف مشترك في كل منها.
أما بالنسبة للمملكة العربية السعودية فهي حريصة على أن أي تقدم في عملية السلام العربي الإسرائيلي لا بد أن يكون مصاحباً لقيام دولة فلسطينية، وذلك لإدراك السعودية لعمقها الاستراتيجي ومكانتها المحورية. هذه المكانة الكبيرة جعلت إسرائيل تسعى جاهدة للتوصل إلى اتفاق مع دولة بحجم السعودية.
الموقف السعودي الثابت من التعامل مع إسرائيل هو ما يضعف الموقف الإسرائيلي في المنطقة. لذلك، فإن أي اتفاق ثنائي مع إسرائيل لا يمكن أن يكون ناجحاً دون تأمين ضمانات للوفاء بالشروط الأساسية للمبادرة الشاملة التي قدمتها الرياض، والتي يأتي على رأسها: حل الدولتين، والانسحاب من الأراضي المحتلة بعد عام 1967، وحق العودة للاجئين.
يزايد البعض على الموقف السعودي الجلي ويطالبون بخطاب حاد، ولكن الواقع يقول إن الموقف السعودي لم يكتفِ بإلقاء الحجة على تل أبيب أمام المجتمع الدولي فحسب، بل وضع واشنطن أمام الأمر الواقع من أن تمارس أي ضغط دبلوماسي لتسريع عملية الاتفاق. فالشروط التي تضعها الرياض معقولة جداً، ولكن قوتها تكمن في كونها إجرائية ويصعب التلاعب معها بوعود أتقنت تل أبيب منحها للآخرين دون الوفاء بها. هنا نقطة الوضوح في الهدف بدبلوماسية ذكية لا تحتاج إلى تصعيد في النبرة.