براءة دردشات أطفالنا.. حديث بنكهة الطفولة وألوان البراءة
في زحمة الحياة وسرعتها، تظل كلمات الأطفال هي النسمة العذبة التي تذكرنا ببهاء البساطة وروعتها. حديثهم عالم من السحر، حيث تتحول التفاصيل الصغيرة إلى قصص ملونة، واللحظات العابرة إلى ذكريات خالدة. في زيارتي الأخيرة لبيت والدي، لم يكن اللقاء وحده هو ما أسَر قلبي، بل ذلك الحوار الطفولي البريء الذي دار بين أطفال العائلة، فجعلني أعيش من جديد براءة الطفولة وصفاءها.
ابنة أختي، الصغيرة التي ما زالت تتعلم حروفها، جلست تحدثني وكأنها مرشدة سياحية خبيرة! زارت مع والديها إحدى دول الخليج، وأقامت في فندق وصفته بـ ”فندق الأغنياء“، ثم شرعت تروي تفاصيل ديكوراته وألوان جدرانه، وحتى سيراميك حماماته وترتيب أدراجه، وكأنها مهندسة ديكور! لم تنس أن تخبرني برقم غرفتها والطابق الذي تقع فيه، وأن وجبة الإفطار كانت ”V.I.P“ - بتلك المصطلحات التي تلتقطها آذان الصغار من عالم الكبار، حين تختلط رائحة الطعام الشهية بفرحة الاكتشاف.
أما ابن أختي، فقد سافر بخياله إلى أرجاء الوطن، وحكى لي عن رحلته إلى المسجد النبوي الشريف وكأنها رحلة إلى الجنة. وصف الطريق الطويل وساعات السفر، ولم ينس أن يذكر تكييف السيارة الذي وصفه بـ ”برودة الشتاء“، ثم تكلم عن زخارف المسجد النبوي وكيف قرأ القرآن هناك ودعا لي! وحين انتقل إلى الحديث عن الفندق، أوضح بحماس أن الطابق الأرضي كان خيارهم الأمثل للتنقل، وكيف أن شهيته للطعام تضاعفت من فرط سعادته.
هكذا هم الأطفال، يحولون التفاصيل العابرة إلى عوالم واسعة، ويرسمون الحياة بألوان لا يعرفها إلا من يحمل قلباً نقياً. هم لا يكذبون، بل يحكون بعين مبهورة وقلب طاهر، فكلماتهم مرآة تعكس روعة البساطة وجمال البراءة.
لنمنح أطفالنا مساحة الكلام، ولنصغ إليهم بقلوبنا قبل آذاننا. ففي حديثهم كنوز من البراءة، وفي سردهم عوالم تذكرنا بأن الجمال الحقيقي يكمن في نظرة الطفل إلى الحياة. هم كتاب صغار يخطون حكاياتهم بحروف الصدق، فلنكن لهم مستمعين شغوفين، لأن في كل كلمة يقولونها نافذة تطل على عالم نقي لم يلوثه تعقيد الكبار.