تحليل اقتصادي: النفط الصخري الأميركي تحت الضغط في ظل ديناميكيات الأسواق العالمية
من خلال متابعتي المستمرة للملفات الاقتصادية العالمية، وقراءتي المنتظمة لعدد من أبرز الصحف الاقتصادية الدولية الناطقة بالإنجليزية مثل
Financial Times, The Wall Street Journal, Bloomberg Economics
ألاحظ تزايد المؤشرات التي تدل على أن قطاع النفط الصخري الأميركي دخل مرحلة جديدة من التحديات الهيكلية، تختلف عن دوراته السابقة.
فبينما مثّل النفط الصخري خلال العقد الماضي نقطة تحوّل كبرى في مشهد الطاقة العالمي، سمحت للولايات المتحدة بالوصول إلى مستويات غير مسبوقة من الإنتاج، إلا أن هذا الزخم بات يتآكل تدريجياً. ويعود ذلك إلى عدة عوامل اقتصادية وجيوسياسية، أبرزها سياسات الإنتاج المرنة التي يعتمدها تحالف ”أوبك+“ بقيادة المملكة العربية السعودية وروسيا.
هذا التحالف، الذي تبنّى منذ سنوات نهجًا متوازناً يجمع بين ضبط الأسعار وحماية الحصص السوقية، قرر في عام 2025 رفع إنتاجه بنحو 2.5 مليون برميل يومياً، في خطوة يُنظر إليها على أنها تسعى إلى تحقيق الاستقرار في السوق، ولكنها، في الوقت ذاته، تمثل ضغوطاً مباشرة على منتجي النفط الصخري، الذين يعانون أصلاً من ارتفاع التكاليف وتقلص الاستثمارات.
تشير أحدث التقارير الاقتصادية إلى أن شركات النفط الصخري تواجه ستة تحديات رئيسة تقوّض مرونتها، من بينها:
شح إمدادات الخام الثقيل، ما أجبر المصافي الأميركية على الاعتماد شبه الكامل على الخام الخفيف.
ارتفاع التكاليف التشغيلية، بفعل التضخم والرسوم الجمركية المفروضة على المعدات المستوردة من المكسيك وكندا.
انخفاض الاستثمارات في الاستكشاف والإنتاج بنسبة 9% وفق تقديرات وكالة الطاقة الدولية.
تراجع عدد الحفارات النشطة، بحسب بيانات ”بيكر هيوز“، ما ينذر بانخفاض الإنتاج بما يصل إلى 400 ألف برميل يومياً بحلول عام 2026.
التقلبات السياسية والاقتصادية التي تعزز حالة عدم اليقين.
اعتماد سياسات انضباط رأسمالي من الشركات الصخرية لحماية هوامش الربح بدلاً من التوسع.
ورغم تطور بعض الحقول، مثل حوض البرمي في تكساس، إلى مستويات من الكفاءة تمكّنها من تحقيق الربحية عند أسعار منخفضة نسبيًا «قرابة 25 إلى 30 دولارًا للبرميل»، إلا أن العديد من الولايات الأميركية الأخرى تتطلب أسعارًا تصل إلى 70-80 دولارًا للبرميل، ما يجعلها عرضة لتقلبات الأسعار بدرجة أكبر.
في المقابل، تحتفظ دول ”أوبك+“، لا سيما الخليجية منها، بميزة تنافسية واضحة تتمثل في كلفة الإنتاج المنخفضة واحتياطاتها الضخمة، حيث تصل كلفة إنتاج البرميل في بعض الحقول السعودية والكويتية إلى أقل من 10 دولارات. هذه القدرة الإنتاجية الفائضة تمكّن التحالف من توجيه السوق عند الحاجة، وهو ما يجعل مستقبل النفط الصخري أكثر هشاشة أمام أي تحرك جماعي مدروس.
التحالف، حسبما أتابع من تصريحات وتحليلات منشورة، لا ينخرط في ”حرب أسعار“ كما يظن البعض، بل يسعى إلى استقرار السوق على المدى الطويل. وفي هذا السياق، أكد المستشار السابق لوزير البترول السعودي، الدكتور محمد الصبان، أن دور ”أوبك+“ يرتكز على تحقيق توازن مستدام في السوق العالمية، لا مجرد منافسة على الحصص.
انطلاقاً من دراستي الأكاديمية في الاقتصاد، وخبرتي في متابعة تطورات الأسواق العالمية، أرى أن القطاع الصخري الأميركي يتجه نحو مرحلة إعادة ضبط، تحكمها اعتبارات اقتصادية أكثر واقعية، بعد سنوات من التوسع السريع المدفوع بالسيولة الرخيصة.
ومع اتساع الفجوة بين كلفة الإنتاج في النفط التقليدي والصخري، وعودة التحالفات النفطية الكبرى إلى لعب دور محوري في تشكيل خارطة الإمدادات، يبدو واضحًا أن الهيمنة الأميركية على سوق النفط لن تستمر على النحو الذي شهدناه سابقاً.
المعادلة الجديدة في سوق الطاقة تُبنى اليوم على مرونة إنتاج منخفضة الكلفة، واستثمارات استراتيجية طويلة المدى، وقدرة على المناورة في ظل متغيرات سياسية وجيوسياسية متسارعة. وفي هذا الإطار، يظهر تحالف ”أوبك+“ كقوة متماسكة قادرة على رسم المشهد النفطي العالمي لسنوات قادمة.