آخر تحديث: 21 / 9 / 2025م - 9:50 ص

الواقع على الأرض

عبد الرزاق الكوي

التطورات على الساحة هذه الأيام لا تبشر بخير لمستقبل العالم في جميع مجالاته الحياتية، وهذا التطور أخذ منحى آخر وخطير في التفكير والعلاقات مع الآخر كيف تُصاغ ويُعمل بها. فالحربان العالميتان وما سببتاه من معاناة وذهاب أرواح بريئة لم تتعظ تلك القوى المسببة للحروب سواء في الحربين العالميتين الأولى والثانية. كانت حروبًا بين مجموعة دول، واليوم تنقلها هذه الحروب لكل بقعة من بقاع الأرض حروبًا متنقلة بتفعيل ثقافة الكراهية والفكر المهيمن تتجاوز فيه كل شرور وأحقاد الحروب السابقة. فاليوم الحروب بلا قيود إنسانية ولا رادع من هيئات عالمية، حروب أبوابها مفتوحة على مصراعيها لتحقيق أطماع مهما كلفت من ضحايا.

لم تكتفِ قوى الشر والكراهية بأن تكون الحروب محدودة في نطاق ضيق، بل اليوم تفتعل الحروب لتشمل الجميع، ليحارب الإنسان في مأكله ومشربه، فلا تكتفي تلك القوى العالمية بالدخول في حروب عسكرية مدمرة، بل تشمل حروبًا اقتصادية مباشرة أو باستخدام المقاطعة الاقتصادية أو الحصار الاقتصادي واحتكار الأسواق وخلق أزمات اقتصادية وإجبار الآخرين على التبعية الاقتصادية، لتزايد المجاعة في أقطار العالم، وتصبح من الحروب الفتاكة منها آنيةً وأخرى مستقبلية، وإرغام أطراف معينة على الخضوع بما يحقق مصالحها كقوة موازية لا يقل خطرها وفتكها عن الحروب العسكرية، بما تسببه من تدنٍ وإنهاك للحالة الاجتماعية وانعكاسها على مجمل الحياة اليومية من صحة وتعليم وغذاء وماء وكهرباء وزيادة مستوى الفقر والجوع وانعدام الدواء والسلع الضرورية، مما يولد مزيدًا من التدهور الاجتماعي وزيادة الديون وجعلها رهينة بقرارها السياسي والاقتصادي. كل ذلك ليس وليد الصدفة والعمل الارتجالي، بل سياسة ممنهجة وعمل دؤوب تقوم به معاهد ودراسات تعمل ليل نهار من أجل دمار الاقتصاد العالمي.

فالهيمنة مهما كانت وسائلها للوصول لأهدافها، من قتل سواء فرد أو مجموعة، أو التعدي على بلد آخر بشتى الوسائل، تنم عن أشد أنواع الكراهية، وهذا واقع ليس ماضيًا، بل اليوم هو يأخذ أبعادًا خطيرة وتطورات تسابق الزمن لمزيد من الفوضى الدولية والازدواجية المقيتة في النظر بوجهين لحالات متشابهة يتخذ لكل منها قرار وأسلوب مختلف، من أجل أن يبقى العالم في انفلات أمني وتسود حالة القتل وما تولده من دمار، فلا يعلو صوت فوق صوت السلاح ليكتب التاريخ بدماء الأبرياء، وعلى مرأى وسائل الإعلام التي تنقل ما يدمي القلب ويذهب الشعور.

عالم تُرتكب فيه جرائم حرب وإبادة لا تُرتكب مثلها في الغابات من الحيوانات المفترسة، في ظل سكوت وتواطؤ عالمي من هيئات دولية ومحافل إنسانية، مما يعطي دافعًا للممتهنين القتل في استمرار مشروعهم. من أمن العقوبة اليوم يزداد قتلًا وتدميرًا، فلا رادع أن يُبيد مدنًا بسكانها ويمحو أخرى من الذاكرة وأعداد لا يمكن حصرها لكثرتها من القتلى والمفقودين والمشردين والمغيبين، في وضع إنساني في غاية التردي والمأساوية، في حضارة متوحشة مسلوبة الرحمة ومعدومة الإنسانية.

وما يحدث على الواقع لوقف هذه المآسي هو فعل عظيم، كثيرًا من الشجب يأخذ وقته ثم استنكارات تطول مدتها، ودعوات للتهدئة، ودعوات لتفعيل العقل، وجولات مكوكية لتقريب وجهات النظر وطرح الأفكار وتكوين لجان، ومصطلحات وتأويلات وبحث مخارج. في ظل هذا التسلسل، يمكن أن يأخذ شهورًا، والنتيجة من جرائه مزيد من القتل والتدمير ووضع اجتماعي مزرٍ.