قرب موقع العمل من السكن.. مفتاح لصحة نفسية أفضل أم تعويض الراتب؟

أكد الدكتور أسامة الجامع، أخصائي علم نفس الأسرة والزواج، أن القرب الجغرافي لمكان العمل من السكن يعد عاملاً حاسماً في الحفاظ على الصحة النفسية للفرد، مشيراً إلى أن الكثيرين قد يغفلون عن التكلفة النفسية الباهظة للتنقل اليومي الطويل مقابل الحصول على راتب أعلى.
واستشهد الدكتور الجامع بدراسة بريطانية أجريت في عام 2014، كشفت عن نتائج مقلقة في هذا الشأن، حيث تبين أن الموظفين الذين يقضون أكثر من ساعة يومياً في رحلة الذهاب والعودة من العمل، يعانون من زيادة في مستويات التوتر بنسبة تصل إلى 20%، مقارنة بأقرانهم الذين لا يستغرق تنقلهم سوى 15 دقيقة.
وأوضح أن تأثير التنقل الطويل لا يقتصر على التوتر اللحظي، بل يمتد ليصبح إجهاداً مزمناً، حيث ربطت الدراسة بين هذه العادة اليومية وبين الانخفاض الملحوظ في مستوى الرضا العام عن الحياة، وارتفاع معدلات القلق والتوتر على المدى الطويل.
وطرح الجامع تساؤلاً جوهرياً يواجه الكثير من الموظفين، حول ما إذا كانت الزيادة في الراتب تستحق فعلاً التضحية بالاستقرار النفسي، أم أن اختيار عمل قريب براتب أقل هو الاستثمار الأفضل في جودة الحياة.
ولم يقتصر تأثير التنقل على المدة الزمنية فقط، بل شمل أيضاً وسيلة النقل المستخدمة. فقد أبرزت الدراسة أن استخدام الحافلات أو وسائل النقل الجماعي لمسافات تتجاوز 30 دقيقة يعد من أسوأ الخيارات وأكثرها ضرراً على الصحة النفسية.
وفي المقابل، يختلف تأثير التنقل النشط كالمشي أو ركوب الدراجات الهوائية، والذي قد يحمل فوائد صحية، ولكن تأثيره الإيجابي أو السلبي يظل مرتبطاً بشكل وثيق بمدة الرحلة والظروف المحيطة بها.
وخلص الدكتور الجامع إلى ضرورة أن يضع الأفراد الصحة النفسية كأولوية عند اتخاذ قراراتهم المهنية، وأن ينظروا إلى قرب مكان العمل ليس كعامل ثانوي للرفاهية، بل كركيزة أساسية لتحقيق التوازن بين الحياة المهنية والشخصية، وتجنب الدخول في دائرة الإرهاق النفسي والجسدي المستمر.