وقفة مع الذات: فن إعادة التوازن بعد انكشاف الوجوه
في رحلة العمر، لا تسير الطرق دائمًا كما خططنا لها. أحيانًا، تمشي بجانب من ظننتهم أصدقاء درب، فتكتشف بعد حين أن ملامحهم الحقيقية كانت تختبئ خلف أقنعة براقة. لحظة الانكشاف هذه مؤلمة، ليس لأنها تكشف الآخرين فقط، بل لأنها تهز ثقتك في بصيرتك أنت.
يشبه الأمر لوحات جميلة في معرض، تراها من بعيد فتعجبك ألوانها، وحين تقترب تكتشف أن الألوان ما كانت سوى قشور رقيقة تخفي خلفها فراغًا أو شوائب. في تلك اللحظة، تتصادم الصورة التي رسمتها في خيالك مع الحقيقة التي أمامك، فيولد إحساس بالخذلان وربما الغضب، وأحيانًا بجرح الكرامة.
هنا، لا يكون الحل في الانغماس الفوري في الناس، ولا في الانقطاع التام عنهم، بل في التراجع خطوة إلى الخلف، كمن يعيد ترتيب قطع لوحة فسيفساء مبعثرة. العزلة الواعية هي المسافة التي تمنحك صفاء الرؤية، حيث تسمع صوتك الداخلي بعد أن كان يضيع وسط ضجيج التوقعات.
التوازن لا يعود من تلقاء نفسه، بل يحتاج إلى فعل واعٍ:
• إعادة قراءة التجربة: ليس كل من خذلوك أشرارًا بالضرورة، وربما لم يكونوا قادرين على أن يكونوا كما أردتهم.
• تحديد الحدود الصحية: أن تعرف أين تبدأ مساحتك وأين تنتهي، وما الذي تسمح به في علاقتك بالآخرين.
• استعادة الثقة بنفسك: عبر تذكير نفسك بأن التجارب تصقل البصيرة، وأنك اليوم أعمق نظرًا مما كنت بالأمس.
بعد هذه الوقفة، تعود إلى الناس ولكن بعين ترى أبعد، وقلب يعطي بقدر، وروح لم تعد تبحث عن الكمال في أحد.
لم تعد تندفع في الثقة بلا تروٍ، لكنك أيضًا لم تغلق الأبواب.
فقد تعلّمت أن العلاقات المتزنة ليست تلك التي لا تعرف الخلاف، بل تلك التي تحافظ على الاحترام مهما تغيرت الظروف.
في النهاية، وقفة مع الذات ليست لحظة ضعف، بل هي إعلان نضج. هي الخطوة التي تعيدك إلى مركزك، لتعيش الحياة وأنت أكثر وعيًا بنفسك وبالآخرين
أحيانًا نحتاج أن ننحني قليلًا للداخل، لا لننكسر، بل لنلتقط شتاتنا وننهض أكثر توازنًا وأشد وعيًا.