آخر تحديث: 14 / 8 / 2025م - 1:59 م

تفاحة نيوتن

سراج علي أبو السعود *

يروى أن نيوتن كان متسنّد على شجرة تفاح، ويوم طاحت وحده على راسه اخترع لينا قانون الجاذبية. المؤكد أن نيوتن لو كان عنده جوال وقتها فبكون مشغول في فيسبوك أو واتساب وسناب وغيرها وأكيد ما بينتبه لا لتفاحة ولا لجحة نازلة من شجرة. طيب يا سراج، هل تبغى تقول لينا إن الجوال له مضار كثيرة؟! منهو ما يدري؟! الحقيقة اللي ودي أقولها ببساطة: لما كنا أطفال كنا نشوف يد ولد مكسورة أو رجل ملفوفة بالجبس، نعرف إنه كان يلعب كورة، يتشبلا، يطيح، يعيش. نعرف إنه يعرف أولاد الجيران، ويتشابق وياهم، ويرجع ثاني يوم يلعب وياهم وكأن شي ما صار. هذا كله كان درساً في الانتماء، في العمل الجماعي، في التسامح، في القيادة. ما كنا ندري ان احنا نتعلم «مهارات حياتية» لكن الحقيقة ان احنا كنا نعيشها. الحين نادر إذا تشوف طفل ايده مجبسه، أو أولاد يلعبوا في أرض ترابية جنب البيت. الجيل الجديد بالكاد يعرف أسماء أولاد الفريق، لأن الحياة بكل بساطة صارت «أونلاين». كل شي صاير إلكتروني، والذكاء الاصطناعي جا وكمل الناقص: يفكر عنك، يكتب عنك، وحتى ممكن يحب ويكره عنك لو تركته على هواه. الإنسان أصبح مجرد كائن من لحم ودم مربوط بجهاز. أما الباقي فهو آلة تمشي على رجلين.

لا يختلف اثنان اليوم أن الحياة لا يمكن أن تكون بمعزل عن التكنولوجيا، المطالبة بذلك بالتأكيد خلاف الحكمة. المعرفة الآن أصبحت أسهل، والتعليم متاحاً في كل مكان بضغطة زر يطوف من خلالها الباحث أقاصي الدنيا. ولكي نكون صادقين ومنصفين: الطفل اليوم لديه كم من المعلومات والثقافات واللغات ربما يتفوق من خلالها على جيلنا بأضعاف فلكية دون مبالغة. ولكن هل كل ما نبحث عنه في الحياة هو هذا الكم المعرفي؟ إجابتي شخصيا هي: لا. الملعب الترابي بكل غباره وشماميخه يعلّم أشياء لن يمنحنا إياها البلايستيشن. الصداقات الحقيقية، التسامح، المروءة، روح الفريق، كلها دروس تُخلق في زحمة العلاقات الإنسانية، في العراك، في الضحك الجماعي، في المصالحات بعد الزعل. حتى الخطأ نفسه كان من أعظم المعلمين. أما اليوم وحينما يتحول الصديق من إنسان حيّ إلى جهاز أو ذكاء اصطناعي فهذه كما اعتقد عزلة مقنّعة بامتياز، ربما نظن أنها ترف، لكن الحقيقة أنها تسرق منا الكثير من الأشياء التي يجب علينا أن نتعلمها قبل أن تكبر أجسامنا وتبقى أرواحنا وقلوبنا كالآلات التي لا تعرف من المشاعر شيء.

أعتقد أن على الوالدين اليوم أن يضعوا حدًا لاستخدام الأطفال المفرط للتكنولوجيا، خصوصًا الألعاب الإلكترونية.

لست أقصد المنع، بل ذلك التوازن الذي يعني أن تُستبدل بعض الساعات بالشمس والهواء، بـ كرة في أرض ترابية، أو تمشية على شاطئ، أو أي نشاط بدني يعيد الحياة إلى أطراف الطفل وروحه. من المهم أن يلعب الطفل مع أصدقائه، لتتسخ ملابسه، ليقع على الأرض، ليغضب أحيانا ويصالح أخرى، ليتعلم حدود المزاح ومعنى الوفاء. قد تُكسر يد أو رجل، لكن لا بأس طالما لم تُكسر القيم من عقله وقلبه. لا ينبغي أن نخشى على الأطفال من الخدوش، بقدر ما نخشى أن تنشأ أجيال بأجساد تتحرك لكن من غير مبادئ، من غير روح أو حتى من غير مشاعر.

التعقيبات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات 2
1
ليلى درويش
11 / 8 / 2025م - 4:03 م
أنا أتفق معك في أن الخدوش والكدمات أهون من أن يكبر الطفل بدون قيم
2
فاطمة سويد
11 / 8 / 2025م - 8:48 م
ترى حتى إحنا الكبار تأثرنا مو بس الأطفال. ساعات الجلوس على الأجهزة سرقت منا الجلسات الحقيقية وحتى صداقاتنا صارت أونلاين أكثر من الواقع