آخر تحديث: 20 / 8 / 2025م - 2:44 م

ولا يهون النفط استدامة الاقتصاد السعودي بيد القطاع الخاص «2»: أرامكو ”الاستثمارية“

الدكتور إحسان علي بوحليقة * صحيفة مال

صعد سعر النفط أم هبط تبقى ”أرامكو“ حوتاً أزرقاً لا نظير له بين شركات الطاقة العالمية. بالقطع، ليس بالإمكان انتزاع أي شركة من فرص ومحاذير القطاع الذي تنشط فيه، لكن أرامكو تمكنت على امتداد عمرها أن ”تُبحر“ باقتدارٍ وثقة، ليس في الخلجان الضحلة والضيقة فقط، بل في المحيطات الهائجة. وحتى لا نبحر بعيداُ، فقد تراجعت إيرادات الشركة في النصف الأول من هذا العام «2025» بنحو 8 بالمائة مقارنة بالنصف النظير من العام السابق، وبالتالي إجمالي الدخل وصافي الربح، وأعادت الشركة ذلك لانخفاض سعر النفط الخام والمنتجات المكررة، وكانت الأرباح الفعلية للربع الثاني دون توقعات المحللين بفارق ضيق، ومن حيث الأداء فقد كان في الربع الثاني قوياً مقارنة بالمنافسين، بفضل تكاليف الإنتاج المنخفضة والتوسع في الغاز. ومع ذلك، انخفضت الإيرادات لأسباب خارجية ومرجعها تخفيضات أوبك وتراجع سعر برميل النفط.

تاريخياً، ارتكز نهج أرامكو الاستثماري على تعزيز مكانتها كأكبر منتج للنفط في العالم، مع جهد جانبي للتنويع نحو المصب والطاقة المتجددة والكيماويات للحد من الاعتماد على مبيعات النفط الخام، أما التركيز فكان في زيادة وصيانة القدرة على إنتاج النفط الخام، وبقي الأمر كذلك حتى بعد طرحها أولياً في السوق السعودي في العام 2019، حيث استثمرت أرامكو بكثافة في الطاقة الإنتاجية وفي تسويقها، بعد الطرح الأولي مع التكامل مع: «1» قطاع البتروكيماويات حيث يستخدم 54 بالمائة من النفط الخام كمُدخَل لقطاع التكرير والبتروكيماويات، «2» نشاط الطاقة المتجددة بما في ذلك تحقيق المستهدفات واستخدام التقنيات.

إذن، كيف نصف - بكلمة - شركة أرامكو كونها شركة تتداول أسهمها في السوق المالية؟ لعل يمكن إيجاز الوصف في كلمة واحدة بأنها شركة ”استثمارية“ السمة؛ هي شركة استثمارية، فهي شركة للمستثمرين وليست للمضاربين. فمن حيث المنطلق، تنطبق عليها المواصفات المدرجة في مقررات التمويل والاستثمار انطباقاً كاملاً، من أبرز تلك المزايا توزيعات مستقرة للمساهمين بلغ متوسطها 70 بالمائة من التدفقات النقدية التشغيلية للشركة، وتستقى من توزيعات أرباح أساسية وتوزيعات مرتبطة بالأداء ترتبط بفائض التدفقات النقدية الحرة. وإجمالاً، يُنظر إلى أرامكو كاستثمار دفاعي بعوائد جذابة بسبب استقرارها المالي وقدرتها على توليد تدفقات نقدية قوية في ظل تقلبات أسعار النفط، حيث تحافظ على عوائد أرباح عالية تصل إلى 6-7%، مما يجعلها خياراً آمنًا للمستثمرين الذين يبحثون عن دخل مستقر. وما يعزز ذلك الاستنتاج، تقارير صادرة مؤخراً عن المصارف الاستثمارية، التي تبرز أرامكو كاستثمار دفاعي بفضل تكاليف إنتاجها المنخفضة، بما يوفر حصانة من انخفاض الأسعار، بالإضافة إلى سياستها في توزيع أرباح منتظمة، رغم انخفاض الأرباح الفصلية إلى 22.7 مليار دولار في الربع الثاني. فمثلاً، يؤكد محللو ”جولدمان ساكس“ و”مورغان ستانلي“ على جاذبية أرامكو كاستثمار دفاعي، مع توقعات نمو الأرباح بنسبة 5% مدفوعة بتوسع الغاز والتكرير، مما يعزز عوائدها في ظل مخاطر تحول الطاقة. كما يُنظر إليها كاستثمار جذاب لعوائد الأرباح المستدامة، رغم التحذيرات من التوترات الجيوسياسية وتباطؤ الطلب.

لكن ذلك من وجهة نظر من يريد أن يمتلك ورقة مالية عالية الجودة مستقرة التوزيعات منخفضة المخاطر مقارنة وفق تصنيفات وكالات التصنيف الرئيسية في العالم. أما سمة ”الاستثمار“ فتتجاوز ذلك لترسم السمة الأبرز في نهج الشركة للحفاظ على تنافسيتها عالمياً، إذ علينا الإقرار بأن أرامكو، وإن كانت مدرجة في سوقنا المحلية، إلا أنها شركة عالمية بامتياز باعتبار منتجاتها وشبكة التوزيع والطبيعة الاستراتيجية لتلك المنتجات وحساسيتها اتجاه آفاق نمو الاقتصاد العالمي من جهة وتخرصات الأوضاع الجيوسياسية في منطقة الشرق الأوسط والخليج العربي - على وجه الخصوص - من جهة أخرى.

وإذا عدنا إلى البرنامج الاستثماري الذي تتمسك به الشركة لتحصين ميزتها التنافسية على المدى الممتد، نجد أن متوسط الإنفاق الرأسمالي بلغ 30-40 مليار دولار سنوياً في بداية العقد الحالي، مع التركيز على التوسع في التكرير والكيماويات عبر دمج سابك، واستثمارات نوعية مثل تحديث مصفاة ”موتيفا“ في تكساس بقيمة 3.4 مليار دولار، والاستثمار عالمياً في الغاز الطبيعي المسال بما في ذلك الوصول إلى مرافق الغاز الطبيعي المسال في أستراليا وبيرو. أما الاستثمار الحرج الأهمية والذي يمثل علامة فارقة فهو مشروع الغاز غير التقليدي في حقل الجافورة بقيمة 100 مليار دولار، الذي يبدأ الإنتاج نهاية العام الحالي «2025».

واستمراراً في النهج الاستثماري، فيمكن الاستخلاص أن التوجه الاستراتيجي الراهن والمستقبلي هو التركيز على التنويع والاستدامة، إذ من المتوقع أن يتواصل مستوى تاريخي من الضخ الاستثماري في العام 2025 يتجاوز 50 مليار دولار، يستهدف الغاز الطبيعي والغاز المسال والهيدروجين والتقنيات منخفضة الكربون. وكذلك تشمل المبادرات الرئيسية زيادة سعة الغاز المسال بحلول 2025 عبر المرحلة الأولى من الجافورة، التي تهدف إلى إنتاج 2 مليار قدم مكعب قياسي يومياً من الغاز، والاستثمارات في الهيدروجين الأزرق واحتجاز الكربون. وما بعد 2025، تخطط أرامكو لإنفاق مستدام بقيمة 40-50 مليار دولار سنوياً حتى عام 2030، مع التركيز على الكيماويات والطاقة المتجددة والذكاء الاصطناعي/التصنيع للانتقال نحو محفظة أقل كربوناً مع الحفاظ على إنتاج النفط عند 12.3 مليون برميل يومياً. يتماشى هذا مع رؤية 2030 للتنويع الاقتصادي لزيادة مساهمة الأنشطة غير النفطية في الناتج المحلي الإجمالي. «يتبع»

كاتب ومستشار اقتصادي، رئيس مركز جواثا الاستشاري لتطوير الأعمال، عضو سابق في مجلس الشورى