تعرف على تاريخ ”أم أحمد“.. الطائرة التي ربطت دارين بأول مطار في الخليج

حوّل الشغف بالتاريخ والتراث البحري المواطن فتحي البنعلي، منزلاً تاريخياً يتجاوز عمره 220 عاماً في جزيرة دارين، إلى متحف شخصي أصبح شاهداً حياً يروي فصولاً من تاريخ الجزيرة التي كانت يوماً ما أول ميناء تجاري في المملكة وأحد أهم مراكز الغوص وتجارة اللؤلؤ على مستوى العالم.
وسلّط البنعلي، الضوء على تاريخ جزيرة دارين وما تمتلكه من إرث بحري وتجاري وثقافي، موضحًا أنها واحدة من خمس جزر رئيسية في المنطقة، إلى جانب الحالة، الزور، تاروت، والحالة العوده المغمورة، وأنها لعبت دورًا محوريًا في تجارة اللؤلؤ والملاحة الخليجية منذ عقود.
وبيّن أن جزيرة دارين، التي يسميها الأهالي ”دارين القديمة“، كانت في الماضي مركزًا أساسيًا للغوص وتجارة اللؤلؤ، فضلًا عن كونها الميناء التجاري الأول على مستوى المملكة.
وأوضح أن النشاط التجاري فيها كان مزدهرًا، حيث كان ”الطواشون“ يشترون اللؤلؤ من الغواصين، إما على متن المراكب أو في المجالس والمقاهي التي كانت بمثابة أسواق صغيرة، قبل أن يتم بيعه في الكويت أو البحرين أو تصديره إلى الهند وإثيوبيا، مقابل جلب المواد الغذائية ومواد البناء.
وأشار إلى أن التنقل بين الجزر قديمًا كان يتم عبر القوارب، وأن الوصول إلى الدمام قبل عقود كان يتطلب رحلة بحرية كاملة، حيث كان الأهالي يستقلون القوارب في أوقات المد، أو ينتقلون على الدواب عند حدوث الجزر.
وذكر أن موظفي شركة أرامكو كانوا يزورون الجزيرة للسياحة وزيارة قصر الفيحاني، لكنهم كانوا يواجهون صعوبة في الوصول بسبب تقلبات المد والجزر.
وكشف البنعلي أن الجزيرة احتضنت ما يراه المؤرخون أقدم مطار في الخليج، مؤكدًا أن بعض المصادر التاريخية تشير إلى أن مطار دارين سبق مطار البحرين من حيث التأسيس.
وأوضح أن المطار بدأ باستقبال الطائرات الحربية، ثم طائرات الركاب القادمة من البحرين.
ومن بين هذه الطائرات، برزت طائرة شهيرة لدى أهالي الجزيرة أطلقوا عليها اسم ”أم أحمد“، وكانت تحلّق على مستوى منخفض فوق المنازل، حتى أن النساء في الأفنية كن يرمين ما بأيديهن لمجرد رؤيتها، ظنًا منهن أنها تراقبهن من قرب، في مشهد أصبح جزءًا من ذاكرة سكان الجزيرة.
وتطرق إلى قصر دارين التاريخي الذي يعود بناؤه إلى الحقبة العثمانية، وكان مقرًا للتاجر الثري عبد الوهاب الفيحاني، أحد أكبر الطواشين في الخليج، الذي لعب دورًا مهمًا في تنشيط تجارة اللؤلؤ وسافر إلى الهند لبيع المحصول، قبل أن يتوفى هناك أثناء رحلة علاجية.
وأشار إلى شخصية بارزة في تاريخ الملاحة الخليجية، وهو الشيخ راشد بن فاضل بن علي، مؤلف كتاب ”مجاري الهداية“، الذي وثق فيه المسارات البحرية وعلاماتها حتى الهند وإفريقيا، وحدد مواقع صيد اللؤلؤ وعمقها بدقة.
ولفت إلى أن هذا العمل العلمي الفريد حظي بإشادة الملك عبدالعزيز في رسالة خطية، واعتُبر إنجازًا غير مسبوق في توثيق علوم البحار في الخليج، واستفادت منه جهات مرجعية مثل أرامكو وجامعة البترول.
وعن متحفه الشخصي، أوضح البنعلي أنه يقع في منزل يزيد عمره على 220 عامًا، كان مملوكًا للتاجر عبدالعزيز رزيحان، وقد اشتراه من الورثة وأجرى عليه ما بين ستة إلى سبعة أعمال ترميم للحفاظ على طابعه المعماري الأصيل، دون إدخال أي تغييرات تضر بروحه التراثية.
ويضم المتحف غرفًا متخصصة تحاكي ملامح الحياة القديمة، من بينها مجلس الشيخ راشد، وغرفة العروس، والمطبخ التراثي، وغرفة المقتنيات، ودكان الجد درويش، بالإضافة إلى غرفة للأجهزة التراثية، بينما لا تزال المكتبة قيد الإعداد.
وأوضح أنه بدأ جمع المقتنيات منذ سنوات طويلة، بعضها كان محفوظًا في بيت العائلة قبل أن ينقلها إلى المتحف بعد ترميمه.
وأكد البنعلي أن الهدف من المتحف هو حفظ ذاكرة الجزيرة وتراثها البحري والتجاري، ونقله للأجيال القادمة، معتبرًا أن الحفاظ على هذا الإرث مسؤولية مجتمعية تتطلب التعاون بين الأفراد والمؤسسات.
?si=XWmpBlEtCSjW_y4S