آخر تحديث: 3 / 8 / 2025م - 5:41 م

ولا يهون النفط، استدامة الاقتصاد السعودي بيد القطاع الخاص (1)

الدكتور إحسان علي بوحليقة * صحيفة مال

يجلب النفط للخزانة العامة إيرادات من الصعب الاستغناء عنها في المدى المنظور، وفي الوقت ذاته تجلب تلك الايرادات للاقتصاد تأرجحات تنتج عن تذبذبات سعر النفط، وهو سلعة استراتيجية سعرها محصلة لخليط معقد من المعطيات الاقتصادية والجيوسياسية ومُضاربية وتقنية. وإن كانت التنبؤات بالطلب على النفط دقيقة وكذلك للحد البعيد التنبؤ بأسعاره إلا أن التحوط لتأثيرات تراجع إيراداته تتطلب جهداً مضاعفاً لتحقيق الاستدامة المالية، وهذا ما تسعى رؤية المملكة 2030 لتحقيقه منذ انطلاقتها.

وليس أدل على ما تجلبه سوق النفط من انعكاسات على الاقتصاد السعودي، بما يتجاوز تدفقات الخزانة العامة، ما تواجهه سوق الأسهم السعودية ”تداول“ من تأرجح، لبهلوانيات سوق النفط اليد الطولى فيها. للنظر في بيانات أداء مؤشر السوق في الربعين الأول والثاني للعشر سنوات الماضية، ففي العام 2016 شهد الربع الأول تحسناً مقارنة بالربع الأول من العام 2015 نتيجة لتحسن أسعار النفط، لكن أداء الربع الثاني (2016) تراجع بسبب ضعف أسعار النفط! في العام 2017 كان أداء الربعين أفضل مقارنة بالربعين الاولين من العام 2016 بسبب تحسن أسعار النفط. وبعد جائحة ”كوفيد“، شهدت السوق في العام 2021 تعافي قوي ناتج عن العودة السريعة للاقتصاد السعودي لطبيعته ولزخم الاكتتابات الأولية في السوق، حيث سجل نمواً في كلا الربعين؛ 8 بالمائة في الربع الأول و 10 بالمائة في الربع الثاني، ثم ما لبثت أن عاد التأرجح في العام 2022، حيث سجلت السوق أداءً قوياً في الربع الأول (+15 بالمائة) وانكمشت في الربع الثاني (-5 بالمائة). في العام 2023 حدث العكس؛ تراجع المؤشر في الربع الأول (-3 بالمائة)، ونما (+5 بالمائة) في الربع الثاني. في العام الماضي (2024) كان أداء السوق إيجابياً في الربعين الأول (+7 بالمائة) والثاني (+2 بالمائة)، وخلال الربعين المنصرمين من هذا العام، تراجع المؤشر في الربع الأول (-3.04 بالمائة) وواصل تراجعه في الربع الثاني (-4.41 بالمائة) مقارنة بالربع النظير من العام 2024، والسبب الرئيس هو ضعف أسعار النفط وتأثيرها على الخزانة العامة من حيث تصاعد العجز. وعلى امتداد هذه السنوات فإن أداء السوق - كبقية الأسواق المالية - ليس مستقلاً عما حوله، بل هو مرآة تعكس بيئتها، ومحصلة لعوامل جلها خارجيّ.

ولا يتسع المجال لمزيد شرح، عدا لاستنتاج أن النفط مساهم حرج الأهمية في الاقتصاد الوطني دون شك، لكن تأرجحاته هي ”عذروبه“ الحرج التأثير على استقرار الأسواق، أما العامل الآخذ تأثيره في التعاظم بما قد يساهم ليس في تحييد قطاع النفط بل تحييد تأرجحات قطاع النفط فهو الأنشطة الاقتصادية غير النفطية، فإذا أخذنا التقديرات الآنية (flash estimates) التي نشرتها الهيئة العامة للإحصاء عن أداء الاقتصاد في الربع الثاني من العام الحالي (2025) نجد أن الأنشطة غير النفطية هي الأكثر مساهمة في نمو الناتج المحلي الإجمالي للربع الثاني، حيث ساهمت بـ 2.7 بالمائة من أصل 3.9 بالمائة وهو مجمل النمو الذي حققه الاقتصاد السعودي، في حيث كانت مساهمة الأنشطة النفطية 0.9 بالمائة. وإذا أخذنا مدى زمني أوسع، نجد أن قطاع الأنشطة غير النفطية يحقق نمواً ربعياً إيجابياً بالأسعار الثابتة بوتيرة متواصلة، فيما عدا الثلاثة أرباع الأخيرة من العام 2020 إبان جائحة كورونا.

لكن ماذا يعني قطاع الأنشطة غير النفطية؟ هو الأنشطة غير النفطية للقطاع الخاص زائداً النشاط الاقتصادي للقطاع العام (أي المملوك للدولة)، وهذا يعني - في تقديري - القطاع الخاص زائداً القطاع العام الذي يقود برنامج التنويع الاقتصادي والتصدر لتنفيذ مبادرات إعادة هيكلة الاقتصاد المحلي لتخفيف اعتماده على النفط.

وهكذا، نجد أن المعول عليه في تعزيز استقرار الاقتصاد السعودي هما أمران يتعلقان بقطاع الأنشطة غير النفطية؛ (1) تواصل النمو وبزخم أعلى، (2) تحفيز استثمارات القطاع الخاص المحلي في الاقتصاد. فيما يتصل بالنقطة الأولى فأقرب طريق لتحقيق ذلك هو رسم إطار (framework) لحدود ”الاشتباك“ (أو الشراكة) بين القطاعين العام والخاص بما يعزز الإنتاجية (إنتاجية رأس المال تحديداً) والمنافسة. وبالنسبة للنقطة الثانية، تبين الإحصاءات الرسمية نمواً في ضخ الاستثمارات غير النفطية (إجمالي تكون رأس المال الثابت للأنشطة غير النفطية بالأسعار الثابتة)، حيث صعدت من 541 مليار في العام 2017 إلى 984 مليار في العام المنصرم 2024. فكم كان نصيب القطاع الخاص منها؟ لا يتضح ذلك تماماً من الإحصاءات المتاحة، لكن يبقى التحدي وهو السعي لتحقيق مساهمة أكبر للقطاع الخاص المحلي في الضخ الاستثماري بما يعزز نمو الناتج المحلي الإجمالي لسنوات عديدة قادمة وبما يحدّ من تأثير تأرجحات الإيرادات النفطية على سائر المشهد الاقتصادي والمالي للاقتصاد السعودي، وليس من الصعوبة بمكان تحقيق ذلك إذا علمنا أن ثمة تقديرات تفيد أن 95 بالمائة من مساهمة القطاع الخاص هي لمنشآت ٍعائلية، ما يعني جدوى اطلاق مبادرات لتعزز معدل نمو الضخ الاستثماري للمنشآت العائلية في الاقتصاد الوطني، ولعل الخطوة الأولى هي أن تصدر الهيئة العامة للإحصاء بيانات مسحية تفصيلية عن مساهمة القطاع الخاص (المملوكة منشآته للقطاع الأهلي المحلي والأجنبي) في الاقتصاد الوطني: استهلاكاً واستثماراً وتوظيفاً. (يتبع)

كاتب ومستشار اقتصادي، رئيس مركز جواثا الاستشاري لتطوير الأعمال، عضو سابق في مجلس الشورى