آخر تحديث: 3 / 8 / 2025م - 1:50 ص

خلف كل منشور مستفز قلب يبحث عن لايك

سراج علي أبو السعود *

الاستفزاز في وسائل التواصل الاجتماعي تكتيك شائع لدفع المتابعين إلى التفاعل والنقاش. في بعض الأحيان يثمر هذا الأسلوب عن حوارات ثرية، تكشف بين محارات الردود لآلئ ثمينة من الفكر أو الرأي المختلف. ومع ذلك، فإنّ التفريق بين الإثارة والتطاول على الذوق والثوابت ليس صعبا. ثمة من يخلط بين المحتوى الذي يستفز الفكر باحترام، وبين آخر يستفز القيم لمجرد صنع أخذ ورد هي اقرب للمهاترات منها إلى النقاش الموضوعي. وقد يكون الهدف المعلن هو فتح باب الحوار، لكن المآل العملي أحيانًا هو ضرب أو لعله زعزعة المسلمات وتوسيع دائرة الرفض لأجل الرفض، تحت شعار ”تحرير العقل“. بهذه الطريقة، يصبح بعض المنشورات - رغم ظاهرها الفكري - معبرًا خفيًا عن لم شمل المتمردين على الثوابت، لا يبتغي إثراء التفكير بقدر ما يسعى لتفكيك ما تبقى منها. يثبت ذلك ان ارشاد صاحب المنشور لما يثبت له خطأ منهجه لا يدفعه للتصحيح بقدر ما يدفعه للمزيد من التطاولات المستمرة ما يؤكد ان الغاية ابعد ما تكون عن معرفة الحقيقة.

هناك مجموعة من المواد الكيميائية الطبيعية تُعرف باسم ”هرمونات السعادة“، مثل السيروتونين، الإندورفين، الدوبامين، والأوكسيتوسين. وتُفرز هذه الهرمونات بطرق مختلفة، قد يكون من بينها ضغطة بسيطة من قارئ على زر ”Like“. هذا يعني أن المنشور المستفز - وإن بدا في ظاهره دعوة لنقاش فكري - قد يكون في جوهره صرخة غير معلنة من صاحبه للبحث عن لحظة سعادة، تُنتجها تلك الضغطة الصغيرة أو ذلك التفاعل السريع. نحن، إذًا، لا نواجه دائمًا جدالًا فكريًا واعيًا، بل ربما نحاور شخصًا مُتعَبًا، مثقَلًا بالحزن أو القلق أو الشعور بالتجاهل، يحاول أن يُسعف نفسه ببعض هذه الهرمونات المهدّئة. لهذا، أجدني أذكّر نفسي أولًا، بأن أُحسن الظن، وأن أفسّر بعض التجاوزات لا على أنها عدوان، بل ربما استغاثة من مريض يبحث - بطريقة خاطئة - عن دواء، وأنا ملزم أخلاقيًا أن أضع هذا في اعتباري.

في يوم الصداقة العالمي، الذي يصادف الثلاثين من يوليو، يجدر بي أن اذكر نفسي بأحد أعظم أدوار الصديق وهي أن يكون سببًا في سعادة صديقه، وأن يُسهِم - بكل وسيلة مشروعة - في رفع هرمونات سعادته، ولو بكلمة طيبة، أو Like على بوست لا ينافي الأخلاق. فحين يعجز البعض عن الحصول حتى على هذا المستوى البسيط من الدعم، يضطر - أحيانًا - إلى تعويض ذلك بأن ينشر ما لا يليق، أو يستفز غيره بقصد لفت الانتباه اليه، ولو على حساب الذوق أو الأخلاق. ولذا، فإن تقديرنا الحقيقي لأصدقائنا لا يقف عند حدود المجاملة، بل يمتد إلى أن نكون حُماة لصحتهم النفسية، وأن نمنحهم ما يغنيهم عن استجداء Like على بوست لا يستحق.