آخر تحديث: 1 / 8 / 2025م - 11:14 م

الأمومة تبكي وتستغيث

جمال حسن المطوع

كم أشجانني وأحزنني ما تتناقله مواقع التواصل الاجتماعي من مآسٍ تفجع فيها القلوب، وتنفطر لها الخواطر، ويصاب المتابع بغصص تقشعر منها الأبدان، ويتخلل فيها الوجدان تجاه بعض من الأمهات اللواتي يندبن حظهن وتسيل عبراتهن ألمًا وغصة من بعض أولادهن الذين وبكامل إرادتهم وإصرارهم وبجرأة لا إنسانية فيها ولا رحمة ولا عطف ولا شفقة أن يقرروا لأمهاتهم نقلَهنَّ للعيش في دار العجزة وهن بكامل صحتهن واعتمادهن على أنفسهن في إدارة حياتهن من غير اتكال في شؤونهن البيتية والصحية على أحد كائنًا من كان، لأنهن وبحمد الله في وضع تحت السيطرة نفسيًا وجسديًا وصحيًا. فيضطر ذلك الابن الجاحد الخاضع لرغبات زوجته الطائشة أن يوافقها الرأي في التخلص من والدته ووضعها في حضانة ورعاية بيت العجزة.

والأدهى من ذلك كله أن أغلب الأمهات اللواتي أجري معهن مقابلات على مواقع التواصل يشتكين من أولادهن بعدم زيارتهنَّ للاطمئنان عليهن أو السؤال عنهن لسنوات عِدَّة، مما يخلق وضعًا تراجيديًا ومأساويًا في نفوسهن، ويبدأن بالبكاء والعويل والنحيب اشتياقًا لرؤية فلذات أكبادهن. ولكن على من تلقي مزاميرك يا داود، على أناس انعدمت الرحمة من أفئدتهم ووجدانهم، ونسوا أنَّ أمهاتهم كن قد تحملن حملهن في بطونهن تسعة أشهر، بتعب وعناء ومشقة وكرها، مصداقًا للآية الكريمة التي تقول: ﴿حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا [الأحقاف: آية 15] .

ولكنه تناسى كل زفرة من زفراتها وآهاتها وهي تنتظر مولودها بفارغ الصبر لتكتمل فرحتها ومسيرتها بعد الولادة، من رضاعة وعناية ورعاية حتى يشب الوليد رويدًا رويدًا، وهي تغدق عليه في سنين عمره حبًّا وحنانًا. وقد شق طريقه بعد أن هيأته وأصبح رجلًا يعتمد عليه حتى تسلمه إلى امرأة أخرى لترعاه وتقوم بواجباته وشؤونه وتحببه في والديه والإشفاق عليهما. ولكن ما كل ما يتمنى المرء يدركه، لتنعكس الأمور رأسًا على عقب إلا ما رحم ربي. وهنا يكون الانقلاب غير المتوقع وإذا بهذا الابن من يحرضه ويقويه على كره أقرب الناس إليه من حريمِه المصون ليبدأ النفور والابتعاد ونسيانٌ ونكرانٌ للجميل، ليقرر ما يقرر من نكبات الدهر على والديه اللتين تقودانه إلى طريق لا يحمد عقباه، وهو يستهين ويسيء إلى والديه ويخالف شرع الله الذي أمر به في حسن معاشرة ومعاملة والديه بالحسنى والفعل الجميل الذي يتوافق والنهج الإلهي عندما يقول سبحانه وتعالى في بر الوالدين: ﴿فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا [الإسراء: آية 23].

صدق الله العلي العظيم.

والسلام ختام.

التعقيبات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات 1
1
حسين قنبر
[ سيهات ]: 1 / 8 / 2025م - 8:04 ص
كلامك يمس القلب يا أستاذ جمال فعلا مشهد الأم تبكي في دار العجزة لا يحتمل. ليت كل من تسول له نفسه يترك أمه يقرأ هالمقال يمكن يصحى ضميره.