تراتيل من معبد إلهة الحواس
ترتيلة النبع الأزلي
(الصوت)
في البدء، كان صوتك.
يتدفّق كنهرٍ أبديّ من الحنان،
يغسل صحراء قلبي بماء الرحمة.
كل حرف تنطقه بلسماً لجراح روحي،
وكل همسة منك صلاة تصعد
من أرض الوجع إلى سماء السكينة.
كان صوتك كأم تهدهد طفلًا خائفًا،
وكأنك ملاكٌ يرتّل آيات الطمأنينة.
حين تناديني، ترنو روحي خاشعة أمام سحرك،
أمام حنانٍ يعيد تشكيل معنى الحياة.
في روعة صوتك، تسكن الأغاني التي لم تُغنَّ،
والحكايات التي لم تُحك،
والكلمات الوليدة من رحم الصمت.
أسمعك، فأشعر أن الكون يتوقف ليصغي،
وأنّ النجوم تخفت أضواءها
لتسمع هذه السيمفونية المقدسة.
محراب الأمان الساطع
(العيون)
ثم تتجلّى عيناك.
كانتا بحيرتين من الأمان في صحراء الخوف،
الملجأ الأخير لروحي التائهة في متاهة الوجود.
في نظرتك يسكن كل السلام المفقود، وكل الاطمئنان الذي تبحث عنه القلوب الجريحة.
عيناك… هما البيت الذي لم أسكنه،
والوطن الذي حلمت به.
حين تنظر إليّ، تهدأ عواصف الدنيا،
تضع الحروب أوزارها، وتذوب المخاوف
كالثلج تحت شمس الحب.
في عمق حدقتيك، تتراقص أضواء الأمان،
كنوز من الطمأنينة مدفونة في كهوف الزمن.
أغرق في بحرهما دون خوف،
بل أتعلم السباحة في أمواج الحياة لأول مرة.
نظرتك تهمس:
“هنا… المكان الآمن، هنا لا يصلك أذى،
هنا روحكِ محمية بحصون الحب الأبدية.”
قربان السعادة الأثيري
(الرائحة)
وعبق رائحتك…
كأن الله قد قطّر جوهر السعادة
في قطرات من العطر،
ثم رشّها على جلدك المبارك.
تسكن في ثنايا الهواء كالسحر،
تحوّل الأكسجين إلى نشوة،
والتنفس إلى طقس عبادة.
رائحتك… هي السعادة تتجسّد،
والفرح يتخذ شكلاً حسياً.
حين أتنفّسك، تبتسم خلايا جسدي،
يرقص دمي في عروقي،
ويغني قلبي أغنية لم يعرف كلماتها من قبل.
في عبق عطرك،
تختلط عطور الجنان الأسطورية:
الياسمين، الفل، الورد الجوري، والعنبر الأبيض.
أحمل رائحتك في ذاكرة الروح،
أستدعيها في لحظات الحزن،
فتعود السعادة كطائرٍ يعود
إلى عشه بعد رحلة طويلة.
رائحتك دليل حسي
على أن السعادة ليست فكرة فلسفية،
بل حقيقة تسكن في جزيئات الهواء،
في نسمات الروح.
هيكل الوجود الجامع
(الحضن)
ثم يكون حضنك…
كأن الكون قد ضمني في لحظة،
وتحول كل ما حولي إلى صمتٍ خاشع،
كما لو أن الزمن نفسه يهمس بخشوع.
في تلك المسافة الصغيرة بين ذراعيك،
تتسع الدنيا بأسرها،
تنكمش الفوضى،
ويتجمد الزمن
كأنه يركع أمام هذا السلام المقدس.
حضنك ليس مجرد دفء…
هو عودة إلى الرحم الأول،
إلى المكان الذي لا تحتاج فيه روحي
إلى شرح، ولا قلبي إلى ترجمة.
بين ذراعيك لا أحتاج إلى لغة،
لأن كل شيء يُقال بلا صوت.
كل الأحزان تنام حين تعانقني،
وكل الانكسارات تنسى شكلها،
وكل الجراح تفقد ذاكرتها.
تحملني كأنني الوجود نفسه،
كأنك تهمس للكون:
“ها هي… كل الأكوان هنا،
في هذا الحضن الواحد.”
حضنك… بيتٌ لا سقف له إلا السماء،
لا جدران له إلا نبضك،
لا حدود له إلا انتهاء الخوف.
فجر الإلهام المقدس
(الابتسامة)
وأخيراً… ابتسامتك.
هي الشمس الأولى في فجر الخليقة،
وأول ضوء يخترق ظلمة العدم.
في انحناءة شفتيك يولد الأمل من جديد،
كطفل جميل يفتح عينيه على الحياة لأول مرة.
ابتسامتك… هي الوعد الإلهي بغدٍ أفضل،
البشارة المنقوشة على محيَّاك المبارك.
حين تبتسم، تتحول النهايات المؤلمة
إلى بدايات مضيئة،
والليالي المظلمة
تحمل في طياتها فجراً جديداً.
في ابتسامتك،
يرقص الأمل كالفراشات الملوّنة،
ويشعّ المستقبل كالذهب المصهور.
تلك الانحناءة الصغيرة
في زاوية فمك،
بوابة سحرية إلى عالم
حيث كل شيء ممكن،
حيث الأحلام حقائق
في طور التكوين.
ابتسامتك تهمس لي:
“لا تيأسي… لا تستسلمي…
هناك دائماً أمل،
هناك دائماً ضوء في آخر النفق،
هناك دائماً غدٌ يحمل معجزة جديدة.”
قدس أقداس الأثر الخالد
(الذاكرة)
والآن، في مملكة الذاكرة…
أجلس ملكةً على عرشٍ من الحنين،
أعيد تشغيل هذه السيمفونية المقدّسة:
صوتك، عيناك، رائحتك، حضنك، وابتسامتك.
أحاول أن أجمع هذه الكنوز الخمسة،
أن أعيد بناء معبد الحب
من ذكريات الحنان،
والأمان، والسعادة،
والسلام، والأمل.
لكن كيف يحتفظ القلب بالسحر
بعد انتهاء العروض؟
كيف تعيش الروح على ذكرى الضوء
بعد غياب الشمس؟
أنت لست مجرد ذكرى…
أنت الحكاية الكاملة للحب:
بدايتها صوتٌ حنون،
ووسطها عيونٌ آمنة،
وذروتها رائحةٌ سعيدة،
ثم حضنٌ يختصر الأكوان،
ونهايتها ابتسامةٌ مفعمة بالأمل.
وأنا… لست سوى الراوية
والمستمعَة والكائنَة
التي تعيش الحكاية في كل نبضة.
أروي لنفسي حكايةً لا تنتهي،
محفورةً في ذاكرة القلب
بحروفٍ من نور،
تتجاوز حدود الزمان والمكان.