ذهب المانجروف يُتوّج موسم الشرقية
انتهت لوحة فنية نادرة رسمتها أيادي المثابرة والتآزر بين الإنسان وكنوز الطبيعة. موسم حصاد ”عسل المانجروف“ في المنطقة الشرقية يطوي صفحاته الذهبية، ليترك وراءه إنجازاً يُحتَفى به: أفضل عسل في المملكة، نتاج شراكة ذهبية بين نحالين أوفياء وجهات داعمة حكيمة.
أكثر من 40 نحالًا شاركوا في هذا الموسم، واضعين خلاياهم التي تتجاوز 4000 خلية بين أحضان بيئة المانجروف الساحلية، تلك الغابات الطبيعية التي عادت تنبض بالحياة بفضل مبادرات وطنية واعية تهدف لإعادة تأهيلها والحفاظ على توازنها البيئي.
جاء هذا الإنجاز تحت رعاية كريمة من صاحب السمو الملكي أمير المنطقة الشرقية سلمه الله وبمتابعة مباشرة من محافظ القطيف، وبإدارة فاعلة من وزارة البيئة والمياه والزراعة، والمركز الوطني لتنمية الغطاء النباتي ومكافحة التصحر، وقيادة حرس الحدود بالمنطقة، مما شكّل نموذجًا متكاملاً للعمل المؤسسي والوعي المجتمعي.
فهذا الموسم لم يكن عاديًا «إنتاج قياسي وجودة فريدة» فالإنتاج بلغ نحو 20 طنًا من عسل المانجروف، المعروف بقيمته العالية، ليس فقط كمنتج غذائي، بل ككنز طبي غني بالعناصر النادرة والفوائد الصحية. عسل المانجروف يُعد من أثمن أنواع العسل، إذ يُستخرج من رحيق أزهار شجر القرم الذي ينمو في بيئة ملحية بحرية، مما يُكسبه لونًا وطعمًا مميزًا ورائحة فريدة.
وتكمن قوة هذا العسل في خصائصه العلاجية المتعددة، فهو:
• يعزز المناعة الطبيعية للجسم بفضل احتوائه على مضادات أكسدة قوية.
• يُساهم في تحسين صحة الجهاز التنفسي، خاصة لمرضى الربو والسعال المزمن.
• تنظيم عمليات الهضم والمساعدة في تهدئة القولون العصبي
• تنشيط الطاقة الحيوية بطريقة طبيعية وآمنة دون تأثيرات جانبية
• يحتوي على معادن نادرة مثل الزنك والمغنيسيوم والحديد، ما يجعله مقويًا عامًا للجسم.
• يسرّع من شفاء الجروح والالتهابات بسبب خواصه المضادة للبكتيريا.
وما ميز هذا الموسم أيضًا هو تطور الوعي التجاري والإنتاجي لدى النحالين «مناحل تتحول إلى معامل إنتاجية». لم يكتفوا بإنتاج العسل الخام، بل عملوا على ابتكار منتجات تحويلية تجذب المستهلك المحلي وتفتح آفاقًا جديدة للتسويق، من أبرزها:
• العكبر «البروبوليس» الذي يُستخدم كمضاد حيوي طبيعي، حبوب اللقاح التي تعزز الطاقة والحيوية سم النحل لعلاج أمراض المفاصل غذاء الملكات لتقوية المناعة خل عسل المانجروف، وهو منتج نادر يطوره عدد محدود من النحالين.
• منتجات تجميل طبيعية مثل كريمات البشرة وأحمر الشفاه.
وقد حرص النحالون على تقديم هذه المنتجات في عبوات راقية وفاخرة، بمقاسات وأسعار مناسبة لمختلف فئات المجتمع، ما يُظهر نضجًا في فهم السوق واحتياجاته.
ومع اختتام مرحلة الجمع، تبدأ مرحلة التسويق والعرض، حيث تُعد وزارة البيئة والمياه والزراعة لتنظيم فعاليات ومهرجانات في عدد من مدن المملكة، بهدف تسليط الضوء على هذا المنتج الوطني النادر، والتعريف بقيمته، وتشجيع المستهلكين على دعمه واقتنائه.
في نهاية هذا الموسم المميز، لا يسعنا إلا أن نُعبّر عن جزيل الشكر والامتنان لكل من أسهم في هذا النجاح، من الجهات الحكومية الداعمة، إلى النحالين الحريصين على خدمة الأرض قبل العسل، وصولًا إلى صاحب السمو الملكي أمير المنطقة الشرقية - حفظه الله - على رعايته الكريمة، ومحافظ محافظة القطيف على متابعته الدؤوبة.
لقد أثبت هذا الموسم أن العمل التشاركي هو أساس التنمية المستدامة، وأن البيئة عندما تُحترم وتُصان، فإنها تمنحنا أكثر مما نتصور، بدءًا من الامان البيئي، ووصولًا إلى عسل نقيّ يمثل روح الأرض والبحر في آنٍ واحد.