آخر تحديث: 29 / 7 / 2025م - 2:00 ص

أحمد عبدالله المرزوق… هندسة وقدوة

عماد آل عبيدان

لا يُقاس الناس بكثرة ما يُقال عنهم، بل بما يفعلونه في صمت. بعض الأسماء تمرُّ في المجتمع بهدوء، لكنها تبقى، لأن حضورها لم يكن صوتًا مرتفعًا، بل أثرًا لا يُمحى. من هؤلاء يأتي اسم المهندس أحمد عبدالله المرزوق — أبو عبدالله، كأحد النماذج التي جمعت بين المهنية الرصينة، والانتماء الفعلي للمجتمع، دون افتعال، ودون سعي للأضواء.

نشأ في وقتٍ لم يكن الوصول فيه إلى التعليم العالي ميسورًا، لكنه مضى بعزيمته نحو واحدة من أرفع المؤسسات التعليمية في المملكة، جامعة الملك فهد للبترول والمعادن، فحصل منها على شهادة الهندسة، لا كزينة على الجدار، بل كأداة بناء… لا لمبنى فقط، بل لحياة.

كانت مسيرته المهنية موزّعة بين محطات كبرى: من ”أرامكو“ إلى ”بكتل“، ثم ”الهيئة الملكية“، لكنه لم يتعامل مع هذه التجارب بوصفها مجرد وظائف، بل فرصًا لصقل المهارات، ونقل التجربة حيثما دعت الحاجة. لذلك لم يكن غريبًا أن نجده بعد سنوات، حاضرًا في مفاصل المجتمع المحلي، في مشروعات تنموية وخيرية، مارسها دون تصدر، وكان شعاره في ذلك: ”أفعل ما أستطيع، حيثما أكون“.

مجموعة من أبناء المجتمع الذين عايشوه عن قرب، ومن خلال مجموعة الغنامي في ”الواتساب“، وثّقوا بعضًا من سيرته من خلال شهاداتهم، فكانت كما يلي، لا تمجيدًا، بل إضاءة على نهج لم يكن ظاهرًا، لكنه كان دائم الفعالية.

يقول الأستاذ محمد منصور قصقوص مشيرًا إلى دوره في إحدى المشروعات:

”للمهندس أحمد دور بارز في مشروع صالة الملك عبدالله التابعة لجمعية مضر، والتي لا تزال حتى اليوم تخدم الناس، وقد شارك فيها إلى جانب إخوةٍ كرام مثل المرحوم المهندس السيد محمد آل السيد ناصر، والسفير أبو فهد عبدالله الحصار، وغيرهم.“

أما الأستاذ سلمان العنكي، فكتب عن لحظة إنسانية فارقة في تاريخ القديح:

”لو لم يكن للمهندس أبي عبدالله إلا موقفه في فاجعة حريق خيمة الزواج عام 1420 هـ لكفاه، فقد كان يومها أشبه بخلية نحل، يعمل بلا كلل، ينسق ويتابع، حاضرًا بين الناس في أشد اللحظات حرقةً.“

ولا يقف الأمر عند تلك الشهادات، بل يتكرر وصفه بأنه الرجل الهادئ في العطاء، الصامت في الإنجاز. يكتب الأستاذ حسين الدخيل:

”كثير من أعماله لا نعلمها، لا يعلمها إلا الله، لكنها موجودة، ناطقة في وجدان من عرفوه. نال احترام الناس بتواضعه، وأخلاقه العالية، وحرصه على العمل بصدق دون أن يُطلب منه.“

ولم يكن هذا الحضور العام على حساب البيت، بل انعكس توازن الأب على الأبناء: فجميعهم أطباء، ما عدا ”محمد“ الذي اختار خطّ أبيه في الهندسة. لم يكن ذلك وليد صدفة، بل ثمرة تربية صامتة، قائمة على القدوة الفعلية، لا على التوجيه اللفظي فقط.

وحين انتقل إلى منزله الجديد في حي الزهراء، لم يكن الحدث في ذاته هو الملفت، بل الطريقة التي تفاعل بها الناس معه: حضورهم لم يكن من باب المجاملة، بل نوع من الاعتراف الرمزي بأن هذا الرجل الذي أسّس في قلوبهم، يستحق أن يُحتفى به لا بالكلمات، بل بالوجود الصادق إلى جواره.

هذه السيرة لا تُروى للزينة، بل لتكون مرآةً أمام الشباب الباحثين عن طريق.

ف هذا النموذج، لا يقدَّم على أنه بطل، بل على أنه فرصة للشباب كي يروا صورةً واقعية لإمكانية الجمع بين النجاح المهني والمشاركة الاجتماعية، دون أن تتعارض المسارات أو تتزاحم الطموحات.

هو ليس الوجه الذي يتصدر المنصات، ولا الذي يملأ صور التكريم، لكنه من النوع الذي تعرفه المجتمعات من أثره، لا من صورته.

ولذلك، فإن هذه التجربة ليست فقط سيرة شخصية، بل دعوة مفتوحة لكل من يرى في نفسه القدرة، أن يبدأ من حيث هو، وأن يُتقن ما بين يديه، دون أن ينتظر من يشجعه أو يُصفق له.

قال الله تعالى:

﴿فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً، وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ

وهكذا بقي أثر أحمد عبدالله المرزوق: لا في الطين والإسمنت، بل في الثقة، في العلاقات، وفي المبادرات التي تمّت ثم مضت… لكنها لم تذهب.