آخر تحديث: 29 / 7 / 2025م - 2:00 ص

الشيخ حسن الصفار: صوت الاعتدال ورمز الوحدة والتقارب الوطني

عاطف بن علي الأسود *

في عالم تتعالى فيه الأصوات المتشددة أحيانًا، ويشتد فيه الاستقطاب، يبرز صوت الشيخ حسن الصفار كصوت عقل واعتدال، يدعو إلى التفاهم، ويغرس قيم المحبة والتعايش، ويكرّس جهوده لبناء وطن متماسك، قويّ، ومتنوع في مكوناته، موحد في أهدافه وانتمائه.

الشيخ حسن الصفار، رجل دين ومفكر وطني سعودي، يُعدّ من أبرز الدعاة إلى الوحدة الوطنية والتلاحم الاجتماعي، وقد جعل من منبره الديني والفكري أداة فاعلة لبناء جسور التواصل بين مختلف أطياف المجتمع السعودي، مؤمنًا بأن التعدد في الرأي والانتماء لا يتناقض مع الوحدة في الوطن والمصير.

مواقف وطنية ثابتة: الولاء للوطن فوق كل اعتبار

منذ بدايات نشاطه، شدد الشيخ الصفار على أهمية الولاء للوطن والقيادة، داعيًا أبناء المجتمع إلى الالتفاف حول الدولة، والمساهمة في بنائها واستقرارها. لم يتوانَ في مختلف المناسبات عن الإشادة بجهود القيادة السعودية في تعزيز اللحمة الوطنية، وفي توفير الأمن والاستقرار لكافة المواطنين دون تمييز.

وكان دائمًا ما يُحذر من الفرقة والطائفية، ويرى أن الخطر الحقيقي على الأوطان لا يأتي من التعدد، بل من سوء الفهم والتعصب وغياب الحوار.

جسر من التواصل بين المكونات المجتمعية

من أبرز أدوار الشيخ الصفار وأكثرها تأثيرًا، سعيه الحثيث للتقريب بين مكونات المجتمع السعودي، خاصة في فترات التوتر الإقليمي أو الطائفي. آمن بأن الوحدة الوطنية لا تُبنى بالشعارات فقط، بل تحتاج إلى جهد متواصل في بناء الثقة وتطبيع العلاقات الاجتماعية.

فكان من أوائل من دعوا إلى الانفتاح بين المذاهب، وأكد في خطاباته ومحاضراته على أهمية احترام الرأي الآخر، وتعزيز المواطنة المشتركة التي تجمع الجميع تحت مظلة ”السعودية أولاً“.

وفي هذا السياق، شارك في العديد من اللقاءات والندوات الوطنية التي ضمت علماء ومفكرين من مختلف المناطق والتيارات، وكان دائمًا صوتًا عاقلاً يدعو إلى الحوار والاعتدال.

محاضرات اجتماعية رائدة وتأثير ملموس

لا تقتصر جهود الشيخ الصفار على الجانب الديني والسياسي، بل امتدت إلى المجال الاجتماعي والتربوي، حيث قدّم مئات المحاضرات التي تناولت قضايا الشباب، والأسرة، والتعليم، والمسؤولية المجتمعية. وقد تميزت هذه المحاضرات بطرح واقعي، يعالج هموم الناس اليومية، ويقدم حلولًا عملية تستند إلى القيم الإسلامية والوعي العصري.

وقد تركت هذه الأنشطة أثرًا إيجابيًا كبيرًا في تعزيز الترابط الأسري، وتحفيز العمل التطوعي، وتوسيع الوعي المدني، حتى أصبح يُنظر إليه كأحد الروّاد في النصح الاجتماعي الذي يعالج المشكلات بطريقة تربوية ناضجة.

من المحلية إلى الوطنية: صوت يعبّر عن الجميع

لم يكن صوت الشيخ الصفار مقتصرًا على منطقة أو طائفة، بل تحول إلى صوت وطني جامع، يعبر عن تطلعات فئات واسعة من الشعب السعودي، لما يتمتع به من خطاب عقلاني غير إقصائي، يجعل الجميع يشعر بالانتماء إليه.

كان دائمًا يكرر: ”الوطن هو مظلة الجميع، ومصلحته فوق كل اعتبار“، وسعى لترسيخ هذا المفهوم عبر كلماته ومواقفه ولقاءاته مع شخصيات من مختلف التيارات والانتماءات.

خاتمة مشرفة: رجل اجتمع عليه الاحترام والمحبة

لقد استطاع الشيخ حسن الصفار، بتواضعه الجمّ، وصدقه في الطرح، واتزانه في المواقف، أن يحظى بمحبة واحترام فريدين من مختلف أطياف المجتمع السعودي، على اختلاف مذاهبهم وثقافاتهم ومناطقهم. فكان قريبًا من الناس، مستمعًا لهم، متفهمًا لهمومهم، ومبادرًا في السعي لحل مشكلاتهم بروح وطنية وأخلاق إنسانية عالية.

لم تنحصر علاقاته في حدود ضيقة، بل امتدت لتشمل علماء ومفكرين ومواطنين من جميع مناطق المملكة، فكوّن بذلك شبكة واسعة من الثقة والتقدير المتبادل، وجعل من نفسه نموذجًا نادرًا لرجل الدين الذي لا يكتفي بالوعظ، بل يبني ويشارك ويحتوي.

ويكفي الشيخ الصفار فخرًا أن يُجمع الناس، بمختلف مشاربهم، على تقدير شخصه، وصدق نواياه، ونبل رسالته. لقد أصبح صوتًا موحِّدًا لا مفرّقًا، وجسرًا للتلاقي لا للانقسام، وهذا هو سرّ الأثر الذي تركه في قلوب الناس قبل أن يتركه في صفحات الكتب والمنابر.

خلاصة:

الشيخ حسن الصفار هو أكثر من مجرد عالم دين، هو صوت وطني جامع، ومصلح اجتماعي واعٍ، وداعية للحوار والاعتدال. يمثل نموذجًا يُحتذى في الجمع بين الإيمان والواقعية، بين الانتماء الديني والإخلاص الوطني، وبين الكلمة المسؤولة والعمل المؤثر.

وهو اليوم، كما كان دومًا، منارة مضيئة تدعو إلى الوحدة، وتنشر ثقافة الاحترام، وتؤسس لجيل جديد من الوعي الوطني والإنساني.

دراسات عليا اقتصاد صحي