آخر تحديث: 29 / 7 / 2025م - 3:19 م

رجاء البو علي… حضور شعري يعكس الوعي ويصنع الفرق

عاطف بن علي الأسود *

في هذا المشهد الثقافي السعودي المتحوّل، لفتتني تجربة الكاتبة رجاء البو علي، ليس فقط بما تكتبه، بل بما تمثّله من حضور فكري وجمالي متماسك.

رجاء ليست مجرد روائية أو شاعرة أو قاصة، بل حالة إبداعية تُجسّد صورة المرأة السعودية المثقفة، الهادئة، المتزنة، التي تحضر بالفعل قبل القول، وبالرؤية قبل الشكل.

من خلال كتاباتها في الشعر، والرواية، والقصة، والمقالة، استطاعت أن تبني لنفسها صوتًا خاصًا، يتجنّب المباشرة، ويتفادى الادعاء، ويغوص نحو العمق والجمال البعيد عن الضجيج.

وأرى أنها تُعبّر بصدق عن جيلٍ جديد من الكاتبات السعوديات اللواتي اخترن الأدب بوصفه مساحة فكرية، وليس مجرد ممارسة فنية.

من الصحافة إلى الفعل الثقافي

رجاء بدأت تجربتها من عالم الصحافة، لكنها لم تقف عنده طويلًا.

سرعان ما تجاوزته إلى أفق الكتابة الأدبية التي تنطلق من رؤية، لا مجرد مهارة.

تابعت حضورها في عدد من اللقاءات الثقافية، محليًا ودوليًا، وكانت دائمًا تُعبّر عن وعي نقدي مستقل، يقود الحوار إلى آفاق جديدة، ويبتعد عن التلقين والنمطية.

وفي مارس 2024، حضرت أمسية أدبية كرّمها خلالها أدباء الأحساء بعنوان: ”الأدب والفكر في تجربة رجاء البو علي“.

في تلك الأمسية، تحدثت رجاء عن تجربتها بوصفها رحلة وجودية بدأت منذ الطفولة، وتشكّلت عبر أشكال متعددة من التعبير.

رافقها الناقد كاظم الخليفة بقراءة نقدية عميقة، وشارك الشاعر ناصر الوسمي بكلمة أشاد فيها بمكانة رجاء وبصمتها الأدبية.

كان هذا التكريم مستحقًا لمسيرة أدبية متنوّعة بدأت مبكرًا، وأثبتت عبر محطاتها أن الكتابة ليست تكرارًا للذات، بل بحث دائم عنها.

الكتابة كوعي وموقف

في تجربتها، لا يلفتني فقط تنوّع الأجناس الأدبية، بل وعيها بما تكتب، وقدرتها على صياغة نص يشبهها فعلًا.

لغة رجاء مشغولة بدقّة، محكومة بذائقة فنية رفيعة، وهي لا تنزلق نحو الاستعراض أو الانفعال.

ما تقدمه في المشهد الثقافي يتجاوز النصوص المنشورة، إلى أثر ملموس في الواقع.

لقد عرفتها فاعلة في الورش الكتابية، ومحفّزة في الندوات التطوعية، التي قدّمتها لفئات ترغب في التعلم، والاقتراب من عوالم القراءة والكتابة.

وهذا الجانب التطبيقي يضيف إلى تجربتها بعدًا إنسانيًا يجعل من الكلمة أداة للتغيير والنمو.

رجاء… امرأة سعودية بصوتٍ من الداخل

رجاء البو علي في نظري تمثّل المرأة السعودية الجديدة:

القارئة، الواعية، المُنتجة، التي لا تنتظر أن تُضاء من الخارج، بل تنير المشهد من داخلها، وتمنح الكلمة أبعادًا تتجاوز حدود النص.

ختامًا…

ليست رجاء مجرد اسم أدبي لامع، بل صوت ثقافي يُجسد التحوّل العميق في الأدب النسائي السعودي.

في كتاباتها، تتجلى الكلمة كفعل، والقصيدة كموقف، والتجربة كمرآة لوطنٍ يتغيّر وينمو بثقافته.

هي تجربة تستحق التوقّف، والكتابة عنها بإجلال، لأنها ببساطة… واحدة من العلامات المضيئة في مشهدنا الأدبي العربي المعاصر.

دراسات عليا اقتصاد صحي